الاجتماعية ، التي بها تقوى عزائمهم ، وتنبعث هممهم ، ويحصل منهم التنافس على الخير ، والرغبة فيه ، واقتداء بعضهم ببعض. ومن لطفه ، أن قيّض لعبده كل سبب يعوقه ويحول بينه وبين المعاصي. حتى إنه تعالى إذا علم أن الدنيا والمال والرياسة ونحوها ، مما يتنافس فيه أهل الدنيا ، تقطع عبده عن طاعته ، أو تحمله على الغفلة عنه ، أو على معصيته ، صرفها عنه ، وقدر عليه رزقه ، ولهذا قال هنا : (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) بحسب اقتضاء حكمته ولطفه (وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) الذي له القوة كلها ، فلا حول ولا قوة لأحد من المخلوقين ، إلّا به ، الذي دانت له جميع الأشياء.
[٢٠] ثمّ قال تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) أي : أجرها وثوابها ، فآمن بها وصدق ، وسعى لها سعيها (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) بأن نضاعف عمله وجزاءه ، أضعافا كثيرة. كما قال تعالى : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (١٩) ومع ذلك ، فنصيبه من الدنيا ، لا بد أن يأتيه. (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا) بأن : كانت الدنيا ، هي مقصوده ، وغاية مطلوبه ، فلم يقدم لآخرته ، ولا رجا ثوابها ، ولم يخش عقابها. (نُؤْتِهِ مِنْها) نصيبه الذي قسم له. (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) قد حرم الجنة ونعيمها ، واستحق النار وجحيمها. وهذه الآية ، شبيهة بقوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) (١٥).
[٢١] يخبر تعالى ، أن المشركين اتخذوا شركاء ، يوالونهم ويشتركون هم وإياهم ، في الكفر وأعماله ، من شياطين الإنس ، الدعاة إلى الكفر (شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) من الشرك والبدع ، وتحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرّم الله ونحو ذلك ، مما اقتضته أهواؤهم. مع أن الدين لا يكون إلّا ما شرعه الله تعالى ، ليدين به العباد ، ويتقربوا به إليه. فالأصل الحجر على كل أحد ، أن يشرع شيئا ما جاء عن الله ولا عن رسوله. فكيف بهؤلاء الفسقة المشركين هم وهم على الكفر. (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي : لو لا الأجل المسمى ، الذي ضربه الله فاصلا ، بين الطوائف المختلفة ، وأنه سيؤخرهم إليه ، لقضي بينهم في الوقت الحاضر ، بسعادة المحق ، وإهلاك المبطل ، لأن المقتضي للإهلاك ، موجود ، ولكن أمامهم ، العذاب الأليم في الآخرة ، هؤلاء وكل ظالم.
[٢٢] وفي ذلك اليوم (تَرَى الظَّالِمِينَ) أنفسهم بالكفر والمعاصي (مُشْفِقِينَ) أي : خائفين وجلين (مِمَّا كَسَبُوا) أن يعاقبوا عليه. ولما كان الخائف قد يقع به ، ما أشفق منه وخافه ، وقد لا يقع ، أخبر أنه (واقِعٌ بِهِمْ) العقاب ، الذي خافوه ، لأنهم أتوا بالسبب التام الموجب للعقاب ، من غير معارض ، من توبة ولا غيرها ، ووصلوا موضعا فات فيه الإنظار والإمهال. (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بقلوبهم ، بالله وبكتبه ، ورسله وجاءوا به. (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يشمل فيه كل عمل صالح من أعمال القلوب ، وأعمال الجوارح من الواجبات ، والمستحبات. فهؤلاء (فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ) أي : الروضات المضافة إلى الجنات ، والمضاف يكون بحسب المضاف إليه. فلا تسأل عن بهجة تلك الرياض المونقة ، وما فيها من الأنهار المتدفقة ، والغياض المعشبة ، والمناظر الحسنة ، والأشجار المثمرة ، والطيور المغردة ، والأصوات الشجية المطربة ، والاجتماع بكل حبيب ، والأخذ من المعاشرة والمنادمة ، بأكمل نصيب. رياض لا تزداد على طول المدى ،