كل عمل يعرض للعبد. فإن للتأخير آفات.
[٤٨] (فَإِنْ أَعْرَضُوا) عمّا جئتم به بعد البيان التام (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) تحفظ أعمالهم ، وتسأل عنها. (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) فإذا أديت ما عليك ، فقد وجب أجرك على الله ، سواء استجابوا أم أعرضوا ، وحسابهم على الله الذي يحفظ عليهم صغير أعمالهم وكبيرها ، ظاهرها وباطنها. ثمّ ذكر تعالى حالة الإنسان ، وأنه إذا أذاقه رحمة ، من صحة بدن ، ورزق رغد ، وجاه ونحوه (فَرِحَ بِها) أي : فرح فرحا مقصورا عليها ، لا يتعداها ، ويلزم من ذلك ، طمأنينته بها ، وإعراضه عن المنعم. (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أي : مرض ، أو فقر ، أو نحوهما (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) أي : طبيعته كفران النعمة السابقة ، والتسخط لما أصابه ، من السيئة.
[٤٩ ـ ٥٠] هذه الآية ، فيها الإخبار عن سعة ملكه تعالى ، ونفوذ تصرفه في الملك في الخلق لما يشاء ، والتدبير لجميع الأمور. حتى أن تدبيره تعالى ، من عمومه ، أنه يتناول المخلوقة عن الأسباب لولادة الأولاد ، فالله تعالى هو الذي يعطيهم من الأولاد ما يشاء. فمن الخلق من يهب له إناثا ، ومنهم من يهب له ذكورا. ومنهم من يزوجه ، أي : يجمع له ذكورا وإناثا. ومنهم من يجعله عقيما ، لا يولد له. (إِنَّهُ عَلِيمٌ) بكل شيء (قَدِيرٌ) على كل شيء ، فيتصرف بعلمه وإتقانه الأشياء ، بقدرته في مخلوقاته.
[٥١] لما قال المكذبون لرسل الله ، الكافرون بالله : (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) من كبرهم وتجبرهم ، رد الله عليهم بهذه الآية الكريمة ، وبيّن أن تكليمه تعالى ، لا يكون إلا لخواص خلقه ، للأنبياء والمرسلين ، وصفوته من العالمين ، وأنه يكون على أحد هذه الأوجه. إما (أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) بأن يلقي الوحي في قلب الرسول ، من غير إرسال ملك ، ولا مخاطبة منه شفاها. (أَوْ) يكلمه منه شفاها لكن (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) كما حصل لموسى بن عمران ، كليم الرحمن. (أَوْ) يكلمه الله بواسطة الرسول الملكي (يُرْسِلَ رَسُولاً) كجبريل أو غيره من الملائكة. (فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ) أي : بإذن ربه ، لا بمجرد هواه (ما يَشاءُ). (إِنَّهُ) تعالى (عَلِيٌ) الذات على الأوصاف ، عظيمها على الأفعال ، قد قهر كل شيء ، ودانت له المخلوقات. (حَكِيمٌ) في وضعه كل شيء موضعه ، من المخلوقات والشرائع.
[٥٢] (وَكَذلِكَ) حين أوحينا إلى الرسل قبلك (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) وهو : هذا القرآن الكريم ، سماه روحا ، لأن الروح يحيا به الجسد ، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح ، وتحيا به مصالح الدنيا والدين ، لما فيه من الخير الكثير ، والعلم الغزير. وهو محض منة الله على رسوله وعباده المؤمنين ، من غير سبب منهم ، ولهذا قال : (ما كُنْتَ تَدْرِي) أي : قبل نزوله عليك (مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) أي : ليس عندك علم بأخبار الكتب السابقة ، ولا إيمان وعمل بالشرائع الإلهية ، بل كنت أميا ، لا تخط ولا تقرأ. فجاءك هذا الكتاب الذي (جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع ، والأهواء المردية ، ويعرفون به الحقائق ، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم. (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : تبينه لهم وتوضحه ، وترغبهم فيه ، وتنهاهم عن ضده ، وترهبهم منه ثمّ فسّر الصراط المستقيم فقال :
[٥٣] (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي : الصراط الذي نصبه