[٤٢] (إِنَّمَا السَّبِيلُ) أي : إنّما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية (عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) وهذا شامل للظلم والبغي على الناس ، في دمائهم ، وأموالهم ، وأعراضهم. (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : موجع للقلوب والأبدان ، بحسب ظلمهم وبغيهم.
[٤٣] (وَلَمَنْ صَبَرَ) على ما يناله من أذى الخلق (وَغَفَرَ) لهم ، بأن سمح لهم عمّا صدر منهم. (إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي : الأمور الّتي حث الله عليها وأكدها وأخبر أنه لا يلقاها إلا أهل الصبر والحظوظ العظيمة ، ومن الأمور الّتي لا يوفق لها إلا أولو العزائم والهمم ، وذوو الألباب والبصائر. فإن ترك الانتصار للنفس ، بالقول أو الفعل ، من أشق شيء عليها. والصبر على الأذى ، والصفح عنه ، ومغفرته ، ومقابلته بالإحسان ، أشق وأشق. ولكنه يسير على من يسره الله عليه وجاهد نفسه على الاتصاف به ، واستعان الله على ذلك. ثمّ إذا ذاق العبد حلاوته ، ووجد آثاره ، تلقاه برحب الصدر ، وسعة الخلق ، والتلذذ فيه.
[٤٤] يخبر تعالى ، أنه المنفرد بالهداية والإضلال ، وأنه (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ) بسبب ظلمه (فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) يتولى أمره ويهديه. (وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) مرأى ومنظرا فظيعا ، صعبا شنيعا ، يظهرون الندم العظيم ، والحزن على ما سلف منهم (يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) أي : هل لنا طريق أو حيلة إلى رجوعنا إلى الدنيا ، لنعمل غير الذي كنّا نعمل ، وهذا طلب للأمر المحال ، الذي لا يمكن.
[٤٥] (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) أي : على النار (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) أي : ترى أجسامهم خاشعة للذل ، الذي في قلوبهم. (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) أي : ينظرون إلى النار مسارقة وشزرا ، من هيبتها وخوفها. (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا) حين ظهرت عواقب الخلق ، وتبين أهل الصدق من غيرهم : (إِنَّ الْخاسِرِينَ) على الحقيقة (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) حيث فوتوا على أنفسهم جزيل الثواب ، وحصلوا على أليم العقاب وفرّق بينهم وبين أهليهم ، فلم يجتمعوا بهم ، آخر ما عليهم. (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ) أنفسهم بالكفر والمعاصي (فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) أي : في سوائه ووسطه ، منغمرون لا يخرجون منه أبدا ، ولا يفتر عنهم ، وهم فيه مبلسون.
[٤٦] (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) كما كانوا في الدنيا يمنون أنفسهم بذلك. ففي القيامة يتبين لهم ولغيرهم ، أن أسبابهم الّتي أملوها تقطعت ، وأنه حين جاءهم عذاب الله ، لم يدفع عنهم. (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) تحصل به هدايته ، فهؤلاء ضلوا حين زعموا في شركائهم النفع ، ودفع الضر ، فتبين حينئذ ضلالهم.
[٤٧] يأمر تعالى عباده بالاستجابة له ، بامتثال ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه ، وبالمبادرة بذلك ، وعدم التسويف. (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) القيامة الذي إذا جاء ، لا يمكن رده واستدراك الفائت. وليس للعبد في ذلك اليوم ملجأ يلجأ إليه ؛ فيفوت ربه ، ويهرب منه. بل قد أحاطت الملائكة بالخليقة ، من خلفهم ، ونودوا (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) (٣٣). وليس للعبد في ذلك اليوم ، نكير لما اقترفه وأجرمه ، بل لو أنكر لشهدت عليه جوارحه. وهذه الآية ونحوها ، فيها ذم الأمل ، والأمر بانتهاز الفرصة في