الْخِصامِ) أي : عند الخصام ، الموجب لإظهار ما عند الشخص من الكلام (غَيْرُ مُبِينٍ) أي : غير مبين لحجته ، ولا مفصح عمّا احتوى عليه ضميره ، فكيف ينسبونهن لله تعالى؟
[١٩] ومنها : أنهم (جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) فتجرؤوا على الملائكة ، العباد المقربين ، ورقوهم عن مرتبة العبادة والذل ، إلى مرتبة المشاركة لله ، في شيء من خواصه ، ثمّ نزلوا بهم عن مرتبة الذكورية ، إلى مرتبة الأنوثية. فسبحان من أظهر تناقض من كذب عليه ، وعاند رسله. ومنها : أن الله رد عليهم بأنهم لم يشهدوا خلق الله لملائكته. فكيف يتكلمون بأمر غير المعلوم عند كل أحد ، أنه ليس لهم به علم؟ ولكن لا بد أن يسألوا عن هذه الشهادة ، وستكتب عليهم ، ويعاقبون عليها.
[٢٠] وقوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) فاحتجوا على عبادتهم الملائكة بالمشيئة ، وهي حجة لم يزل المشركون يطرقونها ، وهي حجة باطلة في نفسها ، عقلا ، وشرعا. فكل عاقل ، لا يقبل الاحتجاج بالقدر ، ولو سلكه في حالة من أحواله ، لم يثبت عليها قدمه. وأما شرعا ، فإن الله تعالى أبطل الاحتجاج به ، ولم يذكره عن غير المشركين به ، المكذبين لرسله ، فإن الله تعالى قد أقام الحجة أصلا ، ولهذا قال هنا : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أي : يتخرصون تخرصا لا دليل عليه ، ويتخبطون خبط عشواء.
[٢١] ثمّ قال : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) (٢١) يخبرهم بصحة أفعالهم ، وصدق أقوالهم؟ ليس الأمر كذلك ، فإن الله أرسل محمدا نذيرا إليهم ، وهم لم يأتهم نذير غيره. أي : فلا عقل ، ولا نقل ، وإذا انتفى الأمران ، فلا ثمّ إلّا الباطل.
[٢٢] نعم لهم شبهة من أوهى الشّبه ، وهي : تقليد آبائهم الضالين ، الّذين ما زال الكفرة يردون بتقليدهم دعوة الرسل ، ولهذا قال هنا : (بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) أي : على دين وملة (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) أي : فلا نتبع ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم.
[٢٣] (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) أي : منعموها ، وملؤها الّذين أطغتهم الدنيا ، وغرتهم الأموال ، واستكبروا على الحقّ. (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) أي : فهؤلاء ليسوا ببدع منهم ، وليسوا بأول من قال هذه المقالة. وهذا الاحتجاج ، من هؤلاء المشركين الضالين ، بتقليدهم لآبائهم الضالين ، ليس المقصود به ، اتباع الحقّ والهدى ، وإنّما هو تعصب محض ، يراد به نصرة ما معهم من الباطل.
[٢٤] ولهذا كل رسول يقول لمن عارضه بهذه الشبهة الباطلة (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) أي : أفتتبعوني لأجل الهدى. (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) يعلم بهذا ، أنهم ما أرادوا اتباع الحقّ والهدى. وإنّما قصدهم ، اتباع الباطل والهوى.
[٢٥] (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) بتكذيبهم الحقّ ، وردهم إياه ، بهذه الشبهة الباطلة. (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) فليحذر هؤلاء ، أن يستمروا على تكذيبهم ، فيصيبهم ما أصابهم.