في السير في الطرق ولا تضيعون ، ولعلكم أيضا ، تهتدون في الاعتبار بذلك ، والادكار فيه.
[١١] (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) لا يزيد ولا ينقص ، ويكون أيضا ، بمقدار الحاجة ، لا ينقص بحيث لا يكون فيه نفع ، ولا يزيد بحيث يضر العباد والبلاد. بل أغاث به العباد ، وأنقذ به البلاد من الشدة ، ولهذا قال : (فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) أي : أحييناها بعد موتها (كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) أي : فكما أحيا الأرض الميتة الهامدة بالماء ، كذلك يحييكم ، بعد ما تستكملون في البرزخ ، ليجازيكم بأعمالكم.
[١٢ ـ ١٣] (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) أي : الأصناف جميعها ، مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ، ومما لا يعلمون ، من ليل ، ونهار ، وحر ، وبرد ، وذكر ، وأنثى ، وغير ذلك. (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ) أي : السفن البحرية ، الشراعية والبخارية (وَ) من (الْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) وهذا شامل لظهور الأنعام ، أي : لتستقروا عليها. (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) بالاعتراف بالنعمة لمن سخرها ، والثناء عليه تعالى بذلك ولهذا قال : (وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) أي : لو لا تسخيره لنا ما سخّر من الفلك ، والأنعام ، ما كنا مطيقين لذلك ، وقادرين عليه. ولكن من لطفه وكرمه تعالى ، سخرها ، وذللها ، ويسر أسبابها. والمقصود من هذا ، بيان أن الرب الموصوف بما ذكره ، من إفاضة النعم على العباد ، هو الذي يستحق أن يعبد ، ويصلى له ويسجد. [(وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) (١٤) أي : وإنا إلى خالقنا لراجعون بعد هذه الحياة ليحاسب كلا بما قدمت يداه. وفيه إيذان وإعلام ، بأن حق الراكب أن يتأمل فيما يلابسه ، من المسير ، ويتذكر منه المسافرة العظمى ، الّتي هي الانقلاب والرجوع إلى الله تعالى : فيبني أموره في مسيره ذلك ، على تلك الملاحظة. ولا يخطر بباله في شيء ، مما يأتي ويذر أمرا ينافيها ، ومن ضرورته أن يكون ركوبه لأمر مشروع] (١).
[١٤ ـ ١٧] يخبر تعالى عن شناعة قول المشركين ، الّذين جعلوا لله تعالى ولدا ، وهو الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولم يكن له كفوا أحد. وإن ذلك باطل من عدة أوجه : منها : أن الخلق كلهم عباده ، والعبودية ، تنافي الولادة. ومنها : أن الولد جزء من والده ، والله تعالى بائن من خلقه ، مباين لهم في صفاته ، ونعوت جلاله ، والولد جزء من الوالد ، فمحال أن يكون الله تعالى ولد. ومنها : أنهم يزعمون أن الملائكة بنات الله ، ومن المعلوم أن البنات أدون الصنفين. فكيف يكون لله البنات ، ويصطفيهم بالبنين ، ويفضلهم بها؟ فإذا يكونون أفضل من الله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ومنها : أن الصنف الذي نسبوه لله ، وهو البنات ، أدون الصنفين ، وأكرهها لهم ، حتى إنهم من كراهتهم لذلك (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) من كراهته وشدة بغضه ، فكيف يجعلون لله ما يكرهون؟ ومنها : أن الأنثى ناقصة في وصفها ، وفي منطقها وبيانها ، ولهذا قال تعالى :
[١٨] (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) أي : يجمل فيها ، لنقص جماله ، فيجمل بأمر خارج منه؟ (وَهُوَ فِي
__________________
(١) سقط من المطبوعة ، وهو موافق للسياق والله أعلم.