الأولين والآخرين ، وبين كل مختلفين (مِيقاتُهُمْ) ، أي : الخلائق (أَجْمَعِينَ). كلهم سيجمعهم الله فيه ، ويحضرهم ويحضر أعمالهم ، ويكون الجزاء عليها.
[٤١] (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) لا قريب عن قريبه ، ولا صديق عن صديقه ، (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ، أي : يمنعون عذاب الله عزوجل ، لأن أحدا من الخلق لا يملك من الأمر شيئا.
[٤٢] (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٤٢) ، فإنه هو الذي ينتفع ويرتفع برحمة الله تعالى ، الّتي تسبب إليها ، وسعى لها سعيها في الدنيا.
[٤٣] ثمّ قال تعالى : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ) (٤٣) إلى : (تَمْتَرُونَ). لما ذكر يوم القيامة ، وأنه يفصل بين عباده فيه ، ذكر افتراقهم إلى فريقين : فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، وهم : الآثمون بعمل الكفر والمعاصي ، وأن طعامهم (شَجَرَةَ الزَّقُّومِ) شر الأشجار وأفظعها ، وأن طعمها (كَالْمُهْلِ) ، أي : كالصديد المنتن ، خبيث الريح والطعم ، شديد الحرارة.
[٤٥ ـ ٤٦] (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) (٤٦) ، ويقال للمعذّب :
[٤٩] (ذُقْ) هذا العذاب الأليم ، والعقاب الوخيم (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) ، أي بزعمك أنك عزيز ، ستمتنع من عذاب الله ، وأنك كريم على الله لا يصيبك بعذاب. فاليوم تبين لك ، أنك أنت الذليل المهان الخسيس.
[٥٠] (إِنَّ هذا) العذاب العظيم ، هو (ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) ، أي :
تشكون ، فالآن صار عندكم ، حق اليقين.
[٥١] هذا جزاء المتقين لله الّذين اتقوا سخطه وعذابه ، بتركهم المعاصي ، وفعلهم الطاعات ، فلما انتفى السخط عنهم والعذاب ، ثبت لهم الرضا من الله ، والثواب العظيم ، في ظل ظليل ، من كثرة الأشجار والفواكه والعيون ، تجري من تحتهم الأنهار ، يفجرونها تفجيرا في جنات النعيم. فأضاف الجنات إلى النعيم ، لأن ما اشتملت عليه كله نعيم وسرور ، كامل من كل وجه ، ما فيه منغص ولا مكدر ، بوجه من الوجوه. ولباسهم من الحرير الأخضر من السندس والإستبرق ، أي : غليظ الحرير ورقيقه ، مما تشتهيه أنفسهم. (مُتَقابِلِينَ) في قلوبهم ووجوههم في كمال الراحة ، والطمأنينة ، والمحبة والعشرة الحسنة ، والآداب المستحسنة. (كَذلِكَ) النعيم التام والسرور الكامل (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ) ، أي : نساء جميلات من جمالهن وحسنهن أنه يحار الطرف في حسنهن ، وينبهر العقل بجمالهن ، وينخلب اللب لكمالهن (عِينٍ) ، أي : واسعات الأعين ، حسانها. (يَدْعُونَ فِيها) ، أي : الجنة (بِكُلِّ فاكِهَةٍ) مما له اسم في الدنيا ، ومما لا يوجد له اسم ، ولا نظير في الدنيا. فمهما طلبوه من أنواع الفاكهة وأجناسها ، أحضر لهم في الحال ، من غير تعب ولا كلفة ، (آمِنِينَ) من انقطاع ذلك ، وآمنين من مضرته ، وآمنين من كل مكدر ، وآمنين من الخروج منها والموت ، ولهذا قال : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) ، أي : ليس فيها موت بالكلية. ولو كان فيها موت يستثنى ، لم يستثن الموتة الأولى ، الّتي هي الموتة في الدنيا ، فتم لهم كل محبوب مطلوب ، (وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ) ، أي : حصول النعيم واندفاع العذاب عنهم ، من فضل الله عليهم وكرمه ، فإنه تعالى هو الذي وفقهم للأعمال الصالحة ، الّتي بها نالوا خير الآخرة ، وأعطاهم أيضا ، ما لم تبلغه أعمالهم.