[٢٥ ـ ٢٨] فلما تكامل قوم موسى خارجين منه ، وقوم فرعون داخلين فيه ، أمره الله تعالى أن يلتطم عليهم ، فغرقوا عن آخرهم ، وتركوا ما متعوا به من الحياة الدنيا ، وأورثه الله بني إسرائيل ، الّذين كانوا مستعبدين لهم ، ولهذا قال : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها) ، أي : هذه النعمة المذكورة (قَوْماً آخَرِينَ) ، وفي الآية الأخرى : (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) (٥٩).
[٢٩] (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) ، أي : لما أتلفهم الله وأهلكهم ، لم تبك عليهم السماء والأرض ، أي : لم يحزن عليهم ، ولم ييأس على فراقهم ، بل كل استبشر بهلاكهم وتلفهم حتى السماء والأرض ، لأنهم ما خلفوا من آثارهم إلا ما يسود وجوههم ، ويوجب عليهم اللعنة والمقت من العالمين. (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) ، أي : ممهلين عن العقوبة ، بل اصطلتهم في الحال.
[٣٠] ثمّ امتنّ تعالى على بني إسرائيل ، فقال : (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) (٣٠) الذي كانوا فيه (مِنْ فِرْعَوْنَ) إذ يذبّح أبناءهم ، ويستحيي نساءهم. (إِنَّهُ كانَ عالِياً) ، أي : مستكبرا في الأرض بغير الحقّ (مِنَ الْمُسْرِفِينَ) المتجاوزين لحدود الله ، والمتجرئين على محارمه.
[٣٢] (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) ، أي : اصطفيناهم وانتقيناهم (عَلى عِلْمٍ) منا بهم ، وباستحقاقهم لذلك الفضل (عَلَى الْعالَمِينَ) ، أي : عالمي زمانهم ومن قبلهم وبعدهم حتى أتى الله بأمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ففضلوا العالمين كلهم ، وجعلهم الله خير أمة أخرجت للناس ، وامتن عليهم ، بما لم يمتن به على غيرهم.
[٣٣] (وَآتَيْناهُمْ) ، أي : بني إسرائيل (مِنَ الْآياتِ) الباهرة ، والمعجزات الظاهرة. (ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) ، أي : إحسان كثير ، ظاهر منا عليهم ، وحجة عليهم ، على صحة ما جاءهم به نبيهم موسى عليهمالسلام.
[٣٤] يخبر تعالى (إِنَّ هؤُلاءِ) المكذبين (لَيَقُولُونَ) مستبعدين للبعث والنشور : (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) (٣٥) ، أي : ما هي إلا الحياة الدنيا ، فلا بعث ، ولا نشور ، ولا جنة ، ولا نار.
[٣٦] ثمّ قالوا ـ متجرئين على ربهم ، معجزين له ـ : (فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٦) ، وهذا من اقتراح الجهلة المعاندين في مكان سحيق ، فأي ملازمة بين صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأنه متوقف على الإتيان بآبائهم؟ فإن الآيات ، قد قامت على صدق ما جاءهم به ، وتواترت تواترا عظيما من كل وجه.
[٣٧] قال تعالى : (أَهُمْ خَيْرٌ) ، أي : هؤلاء المخاطبون (أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) ، فإنهم ليسوا خيرا منهم ، وقد اشتركوا في الإجرام ، فليتوقعوا من الهلاك ما أصاب إخوانهم المجرمين.
[٣٨ ـ ٣٩] يخبر تعالى ، عن كمال قدرته ، وتمام حكمته ، وأنه ما خلق السماوات والأرض لعبا ، ولا لهوا ، ولا سدى من غير فائدة ، وأنه ما خلقهما إلا بالحق ، أي : نفس خلقهما بالحق ، وخلقهما مشتمل على الحقّ ، وأنه أوجدهما ليعبدوه وحده لا شريك له ، وليأمر العباد ، وينهاهم ويثيبهم ، ويعاقبهم. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ، فلذلك لم يتفكروا في خلق السماوات والأرض.
[٤٠] (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) وهو يوم القيامة الذي يفصل الله به بين