خاوية (بِأَمْرِ رَبِّها) ، أي : بإذنه ومشيئته. (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) قد تلفت مواشيهم وأموالهم وأنفسهم. (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) بسبب جرمهم وظلمهم.
[٢٦] هذا مع أن الله قد أدرّ عليهم النعم العظيمة ، فلم يشكروه ، ولا ذكروه ، ولهذا قال : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) ، أي : مكناهم في الأرض ، ينالون طيباتها ، ويتمتعون بشهواتها ، وعمرناهم عمرا ، يتذكر فيه من تذكر ، ويتعظ فيه المهتدي ، أي : ولقد مكنا عادا ، كما مكناكم يا هؤلاء المخاطبون ، أي : فلا تحسبوا أن ما مكناكم فيه مختص بكم ، وأنه سيدفع عنكم من عذاب الله شيئا ، بل غيركم أعظم منكم تمكينا ، فلم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم ، ولا جنودهم من الله شيئا. (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) ، أي : لا قصور في أسماعهم ، ولا أبصارهم ، ولا أذهانهم ، حتى يقال : إنهم تركوا الحقّ جهلا منهم ، وعدم تمكن من العلم به ، ولا خلل في عقولهم ، ولكن التوفيق بيد الله. (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) لا قليل ولا كثير. (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) الدالة على توحيده وإفراده بالعبادة. (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ، أي : نزل بهم العذاب ، الذي يكذبون بوقوعه ، ويستهزئون بالرسل الّذين حذروهم منه.
[٢٧ ـ ٢٨] يحذر تعالى مشركي العرب وغيرهم ، بإهلاك الأمم المكذبين ، الّذين هم حول ديارهم ، بل كثير منهم في جزيرة العرب ، كعاد وثمود ونحوهم ، وأن الله تعالى صرّف لهم الآيات ، أي : نوّعها من كل وجه. (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عما هم عليه من الكفر والتكذيب. فلما لم يؤمنوا أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ، ولم تنفعهم آلهتهم الّتي يدعون من دون الله من شيء ، ولهذا قال هنا : (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) ، أي : يتقربون إليهم ، ويتألهونهم لرجاء نفعهم. (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) فلم يجيبوهم ولا دفعوا عنهم (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الكذب ، الذي يمنون به أنفسهم ، حيث يزعمون أنهم على الحقّ ، وأن أعمالهم ستنفعهم ، فضلت وبطلت.
[٢٩] كان الله تعالى قد أرسل رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم إلى الخلق ، إنسهم وجنهم ، وكان لا بد من إبلاغ الجميع لدعوة النبوة والرسالة. فالإنس يمكنه ، عليه الصلاة والسّلام ، دعوتهم وإنذارهم ، وأما الجن ، فصرفهم الله إليه بقدرته ، وأرسل إليه (نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا) ، وصّى بعضهم بعضا بذلك. (فَلَمَّا قُضِيَ) وقد وعوه ، وأثّر ذلك فيهم (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) نصحا منهم لهم ، وإقامة للحجة عليهم ، وقيضهم الله ، معونة لرسوله صلىاللهعليهوسلم في نشر دعوته في الجن.
[٣٠] (قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) لأن كتاب موسى أصل للإنجيل ، وعمدة لبني إسرائيل في أحكام الشرع ، وإنّما الإنجيل متمم ومكمل ومغير لبعض الأحكام. (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي) ، هذا الكتاب الذي سمعناه (إِلَى الْحَقِ) وهو : الصواب في كل مطلوب وخبر (وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) موصل إلى الله ، وإلى جنته ، من العلم بالله ، وبأحكامه الدينية ، وأحكام الجزاء.
[٣١] فلما مدحوا القرآن وبينوا محله ومرتبته ، دعوهم إلى الإيمان