به ، فقالوا : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) ، أي : الذي لا يدعو إلا إلى ربه ، لا يدعوكم إلى غرض من أغراضه ، ولا هوى ، وإنّما يدعوكم إلى ربكم ، ليثيبكم ، ويزيل عنكم كل شر ومكروه ، ولهذا قالوا : (وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ، وإذا أجارهم من العذاب الأليم ، فما ثمّ بعد ذلك إلا النعيم ، فهذا جزاء من أجاب داعي الله.
[٣٢] (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) فإن الله على كل شيء قدير ، فلا يفوته هارب ، ولا يغالبه مغالب. (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، وأيّ ضلال أبلغ من ضلال من نادته الرسل ، ووصلت إليه النذر بالآيات البينات ، والحجج المتواترات ، فأعرض واستكبر؟
[٣٣] (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣٣) هذا استدلال منه تعالى على الإعادة بعد الموت ، بما هو أبلغ منها ، وهو : أنه الذي خلق السماوات والأرض ، على عظمهما وسعتهما ، وإتقان خلقهما ، من دون أن يكترث بذلك ، ولم يعي بخلقهن. فكيف تعجزه إعادتكم بعد موتكم ، وهو على كل شيء قدير؟
[٣٤] يخبر تعالى عن حال الكفار الفظيعة عند عرضهم على النار الّتي كانوا يكذبون بها ، وأنهم يوبخون ، ويقال لهم : (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) ، فقد حضرتموه وشاهدتموه عيانا؟ (قالُوا بَلى وَرَبِّنا) ، فاعترفوا بذنبهم ، وتبين كذبهم. (قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) ، أي : عذابا لازما دائما ، كما كان كفركم صفة لازمة.
[٣٥] ثمّ أمر تعالى رسوله ، أن يصبر على أذية المكذبين المعادين له ، وأن لا يزال داعيا لهم إلى الله ، وأن يقتدي بصبر أولي العزم من المرسلين ، سادات الخلق ، أولي العزائم والهمم العالية ، الذي عظم صبرهم ، وتم يقينهم ، فهم أحق الخلق بالأسوة بهم ، والقفو لآثارهم ، والاهتداء بمنارهم. فامتثل صلىاللهعليهوسلم لأمر ربه ، فصبر صبرا لم يصبره نبي قبله ، حتى رماه المعاندون له عن قوس واحدة. قاموا جميعا بصده عن الدعوة إلى الله ، وفعلوا ما يمكنهم من المعاداة والمحاربة. وهو صلىاللهعليهوسلم لم يزل صادعا بأمر الله ، ومقيما على جهاد أعداء الله ، صابرا على ما يناله من الأذى ، حتى مكّن الله له في الأرض ، وأظهر دينه على سائر الأديان ، وأمته على سائر الأمم ، فصلىاللهعليهوسلم تسليما. وقوله : (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) ، أي : المكذبين المستعجلين للعذاب ، فإن هذا من جهلهم وحمقهم ، فلا يستخفنك جهلهم ولا يحملك ما ترى من استعجالهم على أن تدعو الله عليهم بذلك ، فإن كل ما هو آت قريب. (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا) في الدنيا (إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) ، فلا يحزنك تمتعهم القليل وهم صائرون إلى العذاب الوبيل. (بَلاغٌ) ، أي : هذه الدنيا ، متاعها وشهوتها ولذاتها بلغة منغصة ، ودفع وقت حاضر قليل. وهذا القرآن العظيم ، الذي بيّنّا لكم فيه البيان التام ، بلاغ لكم ، وزاد إلى الدار الآخرة. ونعم الزاد والبلغة ، زاد يوصل إلى دار النعيم ، ويعصم من العذاب الأليم ، فهو أفضل زاد يتزوده الخلائق ، وأجلّ نعمة أنعم الله بها عليهم. (فَهَلْ يُهْلَكُ) بالعقوبات (إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) ، أي : الّذين لا خير فيهم ، وقد خرجوا عن طاعة ربهم ، ولم يقبلوا الحقّ الذي جاءتهم به الرسل. وأعذر الله لهم ، وأنذرهم ، فاستمروا على تكذيبهم وكفرهم ، نسأل الله العصمة. تم تفسير سورة الأحقاف ـ بحول الله وتوفيقه.