بل سيوفيهم أجورهم ، ويزيدهم من فضله ، خصوصا عبادة الجهاد ، فإن النفقة تضاعف فيه ، إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة. (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢١). فإذا عرف الإنسان أن الله تعالى لا يضيع عمله وجهاده ، أوجب له ذلك النشاط ، وبذل الجهد ، فيما يترتب عليه الأجر والثواب ، فكيف إذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة؟ فإن ذلك يوجب النشاط التام ، فهذا من ترغيب الله لعباده ، وتنشيطهم وتقوية أنفسهم على ما فيه صلاحهم وفلاحهم.
[٣٦] (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) هذا تزهيد منه تعالى لعباده في الحياة الدنيا بإخبارهم عن حقيقة أمرها ، بأنها لعب ولهو ، لعب في الأبدان ولهو في القلوب. فلا يزال العبد لاهيا في ماله ، وأولاده ، وزينته ، ولذاته من النساء ، والمآكل والمشارب ، والمساكن والمجالس ، والمناظر والرياسات ، لاعبا في كل عمل لا فائدة فيه ، بل هو دائر بين البطالة والغفلة والمعاصي ، حتى يستكمل دنياه ، ويحضره أجله. فإذا هذه الأمور قد ولّت وفارقت ، ولم يحصل العبد منها على طائل ، بل قد تبين له خسرانه وحرمانه وحضر عذابه ، فهذا موجب للعاقل الزهد فيها ، وعدم الرغبة فيها ، والاهتمام بشأنها. وإنّما الذي ينبغي أن يهتم به ما ذكره بقوله : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) بأن تؤمنوا بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتقوموا بتقواه الّتي هي من لوازم الإيمان ومقتضياته ، وهي العمل بمرضاته على الدوام ، مع ترك معاصيه ، فهذا الذي ينفع العبد ، وهو الذي ينبغي أن يتنافس فيه ، وتبذل الهمم والأعمال في طلبه. وهو مقصود الله من عباده رحمة بهم ، ولطفا ، ليثيبهم الثواب الجزيل ، ولهذا قال : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) ، أي : لا يريد تعالى أن يكلفكم ما يشق عليكم ، ويعنتكم من أخذ أموالكم ، وبقائكم بلا مال ، أو ينقصكم نقصا يضركم ، ولهذا قال :
[٣٧] (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) (٣٧) ، أي : ما في قلوبكم من الضغن ، إذا طلب منكم ما تكرهون بذله.
[٣٨] الدليل على أن الله لو طلب منكم أموالكم وأحفاكم بسؤالها ، أنكم تمنعون منها أنكم (تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) على هذا الوجه ، الذي فيه مصلحتكم الدينية والدنيوية. (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ). أي : فكيف لو سألكم ، وطلب منكم أموالكم في غير أمر ترونه مصلحة عاجلة؟ أليس من باب أولى وأحرى ، امتناعكم من ذلك. ثمّ قال : (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) لأنه حرم نفسه ثواب الله تعالى ، وفاته خير كثير ، ولن يضر الله بترك الإنفاق شيئا. (وَاللهُ) هو (الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) تحتاجون إليه في جميع أوقاتكم ، لجميع أموركم. (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) عن الإيمان بالله ، وامتثال ما يأمركم به (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) في التولّي «عن أمر الله». بل يطيعون الله ورسوله ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ). تم تفسير سورة محمّد ـ (القتال) ـ والحمد لله رب العالمين.