عمد وعناد ، لا عن جهل وغيّ وضلال ، فإنهم (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) فلا ينقص به ملكه. (وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) ، أي : مساعيهم الّتي بذلوها في نصر الباطل ، بأن لا تثمر لهم إلا الخيبة والخسران ، وأعمالهم الّتي يرجون بها الثواب ، لا تقبل لعدم وجود شرطها.
[٣٣] يأمر تعالى المؤمنين بأمر به تتم وتحصل سعادتهم الدينية والدنيوية ، وهو طاعته وطاعة رسوله في أصول الدين وفروعه ، والطاعة هي : امتثال الأوامر ، واجتناب النهي على الوجه المأمور به بالإخلاص وتمام المتابعة. وقوله : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) يشمل النهي عن إبطالها بعد عملها ، بما يفسدها ، من منّ بها وإعجاب ، وفخر وسمعة ، ومن عمل بالمعاصي الّتي تضمحل معها الأعمال ، ويحبط أجرها ، ويشمل النهي عن إفسادها حال وقوعها بقطعها ، أو الإتيان بمفسد من مفسداتها. فمبطلات الصلاة والصيام والحج ونحوها ، كلها داخلة في هذا ، ومنهيّ عنها ، ويستدل الفقهاء بهذه الآية على تحريم قطع الفرض ، وكراهة قطع النفل ، من غير موجب لذلك. وإذا كان الله قد نهى عن إبطال الأعمال ، فهو أمر بإصلاحها ، وإكمالها وإتمامها ، والإتيان بها ، على الوجه الذي تصلح به علما وعملا.
[٣٤] هذه الآية والّتي في البقرة وهي قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) مقيدتان ، لكل نص مطلق ، فيه إحباط العمل بالكفر ، فإنه مقيد بالموت عليه. فقال هنا : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله وملائكته ، وكتبه ورسله ، واليوم الآخر (وَصَدُّوا) الخلق (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) بتزهيدهم إياهم بالحق ، ودعوتهم إلى الباطل ، وتزيينه. (ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) لم يتوبوا منه (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) لا بشفاعة ولا بغيرها ، لأنه قد تحتم عليهم العقاب ، وفاتهم الثواب ، ووجب عليهم الخلود في النار ، وسدت عليهم رحمة الرحيم الغفار. ومفهوم الآية الكريمة أنهم إن تابوا من ذلك قبل موتهم ، فإن الله يغفر لهم ويرحمهم ويدخلهم الجنة ، ولو كانوا مفنين أعمارهم في الكفر به والصد عن سبيله ، والإقدام على معاصيه. فسبحان من فتح لعباده أبواب الرحمة ، ولم يغلقها عن أحد ، مادام حيا متمكنا من التوبة. وسبحان الحليم ، الذي لا يعاجل العاصين بالعقوبة ، بل يعافيهم ، ويرزقهم ، كأنهم ما عصوه مع قدرته عليهم.
[٣٥] ثمّ قال تعالى : (فَلا تَهِنُوا) أي : لا تضعفوا عن قتال عدوكم ، ويستولي عليكم الخوف ، بل اصبروا واثبتوا ، ووطّنوا أنفسكم على القتال والجلاد ، طلبا لمرضاة ربكم ، ونصحا للإسلام ، وإغضابا للشيطان. (وَ) لا (تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) والمتاركة بينكم وبين أعدائكم ، طلبا للراحة ، (وَ) الحال أنكم (أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ) ، أي : ينقصكم (أَعْمالَكُمْ). فهذه الأمور الثلاثة ، كل منها مقتض للصبر وعدم الوهن كونهم الأعلين ، أي : قد توفرت لهم أسباب النصر ، ووعدوا من الله بالوعد الصادق ، فإن الإنسان لا يهن إلا إذا كان أذل من غيره وأضعف عددا ، أو عددا وقوة داخلية وخارجية. الثاني : أن الله معهم ، فإنهم مؤمنون ، والله مع المؤمنين ، بالعون والنصر والتأييد ، وذلك موجب لقوة قلوبهم ، وإقدامهم على عدوهم. الثالث : أن الله لا ينقصهم من أعمالهم شيئا ،