هو عليه ، من إقامة دين الله والدعوة إليه ، كالزرع الذي أخرج شطأه ، فآزره فاستغلظ. ولهذا قال : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) حين يرون اجتماعهم ، وشدتهم على أعداء دينهم ، وحين يتصادمون معهم في معارك النزال ، ومعامع القتال. (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) ، فالصحابة رضي الله عنهم ، الّذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ، قد جمع الله لهم بين المغفرة ، الّتي من لوازمها ، وقاية شرور الدنيا والآخرة ، والأجر العظيم في الدنيا والآخرة. ولنسق قصة الحديبية بطولها ، كما ساقها الإمام شمس الدين ابن القيم في «الهدي النبوي» فإن فيها إعانة على فهم هذه السورة ، وقد تكلم على معانيها وأسرارها.
فصل في قصة الحديبية
قال رحمهالله : قال نافع : كانت سنة ست في ذي القعدة ، وهذا هو الصحيح ، وهو قول الزهري ، وقتادة ، وموسى بن عقبة ، ومحمد بن إسحاق وغيرهم. وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الحديبية في رمضان ، وكانت في شوال ، وهذا وهم ، وإنما كانت غزاة الفتح في رمضان. وفي الصحيحين ، عن أنس : أن النبي صلىاللهعليهوسلم ، اعتمر أربع عمر ، كلهن في ذي القعدة ، فذكر منهن عمرة الحديبية ، وكان معه ألف وخمسمائة ، وهكذا في الصحيحين ، عن جابر ، وعنه فيهما : كانوا ألفا وأربعمائة. وفيهما ، عن عبد الله بن أبي أوفى : كنا ألفا وثلاثمائة. قال قتادة : قلت لسعيد بن المسيب : كم كان الجماعة الّذين شهدوا بيعة الرضوان؟ قال : خمس عشرة مائة ، قال : قلت : فإن جابر بن عبد الله قال : كانوا أربع عشرة مائة ، قال : يرحمهالله ، وهم ، وهو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة ، قلت : صح عن جابر القولان ، وصح عنه أنهم نحروا عام الحديبية ، سبعين بدنة ، البدنة عن سبعة ، فقيل له : كم كنتم؟ قال : ألفا وأربعمائة ، بخيلنا ورجلنا ، يعني : فارسهم وراجلهم. والقلب إلى هذا أميل ، وهو قول البراء بن عازب ، ومعقل بن يسار ، وسلمة بن الأكوع ، في أصح الروايتين ، وقول المسيب بن حزن ، قال شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبيه : كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم تحت الشجرة ألفا وأربعمائة ، وغلط غلطا بيّنا من قال : كانوا سبعمائة. وعذرهم أنهم نحروا يومئذ ، سبعين بدنة ، والبدنة قد جاء إجزاؤها عن سبعة ، أو عشرة ، وهذا لا يدل على ما قاله هذا القائل ، فإنه قد صرح بأن البدنة ، كانت في هذه الغزوة عن سبعة ، فلو كانت السبعون عن جميعهم ، لكانوا أربعمائة وتسعين رجلا ، وقد قال بتمام الحديث بعينه ، أنهم كانوا ألفا وأربعمائة.
فصل
فلما كان بذي الحليفة ، قلد رسول الله صلىاللهعليهوسلم الهدي وأشعره ، وأحرم بالعمرة ، وبعث عينا له بين يديه من خزاعة ، يخبره عن قريش ، حتى إذا كانوا قريبا عن عسفان ، أتاه عينه ، فقال : إني قد تركت كعب بن لؤي ، قد جمعوا لك الأحابيش ، وجمعوا لك جموعا ، وهم مقاتلوك ، وصادّوك عن البيت. واستشار رسول الله صلىاللهعليهوسلم أصحابه أن نميل إلى ذراري هؤلاء ، الّذين أعانوهم فنصيبهم ، فإن قعدوا ، قعدوا موتورين محزونين ، وإن نجوا ، يكن عنق قطعه الله ، أم ترون أن نؤم البيت؟ فمن صدنا عنه قاتلناه؟ قال أبو بكر : الله ورسوله أعلم ، إنما جئنا معتمرين ، لم نجىء لقتال أحد ، ولكن من حال بيننا وبين البيت ، قاتلناه ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «فروحوا إذا». فراحوا ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش ، فخذوا ذات اليمين» ، فو الله ما شعر بهم خالد ، حتى إذا هو بقترة الجيش ، فانطلق يركض نذيرا لقريش. وسار النبي صلىاللهعليهوسلم ، حتى إذا كان بالثنية ، الّتي يهبط عليهم منها ، بركت راحلته ، فقال الناس : حل حل ، فألحت ، فقالوا : خلأت القصواء ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما خلأت