قال طلق بن حبيب : أن تعمل بطاعة الله ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نور الله ، تخشى عقاب الله. وقوله : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) ، أي : لجميع الأصوات في جميع الأوقات ، في خفي المواضع والجهات. (عَلِيمٌ) بالظواهر والبواطن ، والسوابق واللواحق ، والواجبات والمستحيلات والجائزات. وفي ذكر الاسمين الكريمين ـ بعد النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله ، والأمر بتقواه ـ حث على امتثال تلك الأوامر الحسنة ، والآداب المستحسنة ، وترهيب عن ضده.
[٢] ثمّ قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) ، وهذا أدب مع الرسول صلىاللهعليهوسلم ، في خطابه ، أي : لا يرفع المخاطب له ، صوته معه فوق صوته ، ولا يجهر له بالقول ، بل يغض الصوت ، ويخاطبه بأدب ولين ، وتعظيم وتكريم ، وإجلال وإعظام. ولا يكون الرسول كأحدهم ، بل يميزونه في خطابهم ، كما تميز عن غيره في وجوب حقه على الأمة ، ووجوب الإيمان به ، والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به ، فإن في عدم القيام بذلك محذورا ، خشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر ، كما أن الأدب معه من أسباب حصول الثواب ، وقبول الأعمال.
[٣] ثمّ مدح من غض صوته عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بأن الله امتحن قلوبهم للتقوى ، أي : ابتلاها واختبرها ، فظهرت نتيجة ذلك ، بأن صلحت قلوبهم للتقوى. ثمّ وعدهم المغفرة لذنوبهم المتضمنة لزوال الشر والمكروه ، وحصول الأجر العظيم ، الذي لا يعلم وصفه إلا الله تعالى ، وفيه حصول كلّ محبوب ، وفي هذا ، دليل على أن الله يمتحن القلوب ، بالأمر والنهي والمحن. فمن لازم أمر الله ، واتبع رضاه ، وسارع إلى ذلك ، وقدمه على هواه ، تمحض وتمحص للتقوى ، وصار قلبه صالحا ، ومن لم يكن كذلك ، علم أنه لا يصلح للتقوى.
[٤] نزلت هذه الآيات الكريمة في ناس من الأعراب ، الّذين وصفهم الله بالجفاء ، وأنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ، قدموا وافدين على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فوجدوه في بيته وحجرات نسائه ، فلم يصبروا ويتأدبوا حتى يخرج ، بل نادوه : يا محمد يا محمد ، أي : اخرج إلينا. فذمهم الله بعدم العقل ، حيث لم يعقلوا عن الله الأدب مع رسوله واحترامه ، كما أن من العقل استعمال الأدب.
[٥] فأدب العبد ، عنوان عقله ، وأن الله مريد به الخير ، ولهذا قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥) ، أي : غفور لما صدر عن عباده من الذنوب ، والإخلال بالآداب ، رحيم بهم ، حيث لم يعاجلهم بذنوبهم بالعقوبات والمثلات.
[٦] وهذا أيضا من الآداب الّتي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها ، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بنبإ ، أي : خبر أن يتثبتوا في خبره ، ولا يأخذوه مجردا ، فإن في ذلك خطرا كبيرا ، ووقوعا في الإثم ، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل ، حكم بموجب ذلك ومقتضاه ، فحصل من تلف النفوس والأموال ، بغير حق بسبب ذلك الخبر ما يكون سببا للندامة ، بل الواجب عند سماع خبر الفاسق ، التثبت والتبين. فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه ، عمل به وصدّق ، وإن دلت على كذبه ، كذّب ، ولم يعمل به ، ففيه دليل على أن خبر الصادق مقبول ، وخبر الكاذب مردود ، وخبر الفاسق متوقف فيه ، ولهذا السبب كان السلف يقبلون روايات كثير من الخوارج المعروفين بالصدق ،