لكمال اتباعه وسرعة الانقياد له ، وشكر الله على المنة به.
[٢] ولكن أكثر الناس ، لا يقدر نعم الله قدرها ، ولهذا قال تعالى : (بَلْ عَجِبُوا) ، أي : المكذبون للرسول صلىاللهعليهوسلم ، (أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ) منهم ، أي : ينذرهم ما يضرهم ، ويأمرهم بما ينفعهم ، وهو من جنسهم ، يمكنهم التلقي عنه ، ومعرفة أحواله وصدقه. فتعجبوا من أمر لا ينبغي لهم التعجب منه ، بل يتعجب من عقل ، من تعجب منه. (فَقالَ الْكافِرُونَ) ، أي : الّذين حملهم كفرهم وتكذيبهم ، لا نقص بذكائهم وآبائهم. (هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) ، أي : مستغرب ، وهم في هذا الاستغراب ، بين أمرين : إما صادقون في استغرابهم وتعجبهم ، فهذا يدل على غاية جهلهم ، وضعف عقولهم. بمنزلة المجنون الذي يستغرب كلام العاقل ، وبمنزلة الجبان الذي يتعجب من لقاء الفارس للفرسان ، وبمنزلة البخيل الذي يستغرب سخاء أهل السخاء ، فأي ضرر يلحق من تعجب من هذه حاله؟ وهل تعجبه إلا دليل على زيادة جهله وظلمه؟ وإما أن يكونوا متعجبين ، على وجه يعلمون خطأهم فيه ، فهذا من أعظم الظلم وأشنعه.
[٣] ثمّ ذكر وجه تعجبهم ، فقال : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (٣) ، فقاسوا قدرة من هو على كلّ شيء قدير ، الكامل من كلّ وجه ، بقدرة العبد الفقير العاجز. من جميع الوجوه ، وقاسوا الجاهل الذي لا علم له ، بمن هو بكل شيء عليم.
[٤] (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) ، أي : من أجسادهم مدة مقامهم في البرزخ ، وقد أحصي في كتابه. (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) ، أي : محفوظ عن التغيير والتبديل ، بكل ما يجري عليهم في حياتهم ، أو مماتهم ، وهذا الاستدلال بكمال سعة علمه ـ الّتي لا يحيط بها إلا هو ـ على قدرته على إحياء الموتى.
[٥] أي : (بَلْ) كلامهم الذي صدر منهم ، إنما هو عناد وتكذيب ، فقد (كَذَّبُوا بِالْحَقِ) الذي هو أعلى أنواع الصدق (لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) ، أي : مختلط مشتبه ، لا يثبتون على شيء ، ولا يستقر لهم قرار ، فتارة يقولون عنك : إنك ساحر ، وتارة مجنون ، وتارة شاعر. وكذلك جعلوا القرآن عضين ، كل قال فيه ، ما اقتضاه رأيه الفاسد ، وهكذا كلّ من كذب بالحقّ ، فإنه في أمر مختلط ، لا يدرى له وجه ولا قرار ، فترى أموره متناقضة مؤتفكة. كما أن من اتبع الحقّ وصدق به ، قد استقام أمره ، واعتدل سبيله ، وصدق فعله قيله.
[٦] لما ذكر تعالى حالة المكذبين ، وما ذمهم به ، دعاهم إلى النظر في آياته الأفقية ، كي يعتبروا ، ويستدلوا بها على ما جعلت أدلة عليه ، فقال : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ) ، أي : لا يحتاج ذلك النظر إلى كلفة وشد رحل ، بل هو في غاية السهولة. فينظروا (كَيْفَ بَنَيْناها) قبة مستوية الأرجاء ، ثابتة البناء ، مزينة بالنجوم الخنس ، والجواري الكنس ، الّتي ضربت من الأفق إلى الأفق في غاية الحسن والملاحة ، لا ترى فيها عيبا ، ولا فروجا ، ولا خلالا ، ولا إخلالا. قد جعلها الله سقفا لأهل الأرض ، وأودع فيها من مصالحهم الضرورية ما أودع.
[٧ ـ ١١] (وَ) إلى (الْأَرْضَ مَدَدْناها) ووسعناها ، حتى أمكن كلّ حيوان السكون فيها والاستقرار ، والاستعداد لجميع مصالحه ، وأرساها بالجبال ، لتستقر من التزلزل والتموج. (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) ، أي :