وفعلا ، ومكرمون أيضا عند الله. ومنها : أن إبراهيم عليهالسلام ، قد كان بيته ، مأوى للطارقين والأضياف ، لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان ، وإنما سلكوا طريق الأدب ، في ابتداء السلام ، فرد عليهم إبراهيم سلاما ، أكمل من سلامهم وأتم ، لأنه أتى به جملة اسمية دالة على الثبوت والاستمرار.
فصل
ومنها : مشروعية تعرف من جاء إلى الإنسان ، أو صار له فيه نوع اتصال ، لأن في ذلك فوائد كثيرة. ومنها : إبراهيم ولطفه في الكلام ، حيث قال : (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ولم يقل : «أنكرتكم» ، وبين اللفظين من الفرق ما لا يخفى. ومنها : المبادرة إلى الضيافة والإسراع بها ، لأن خير البر عاجله ، ولهذا بادر إبراهيم بإحضار قرى أضيافه. ومنها : أن الذبيحة الحاضرة ، الّتي قد أعدت لغير الضيف الحاضر ، إذا جعلت له ، ليس فيها أقل إهانة ، بل ذلك من الإكرام ، كما فعل إبراهيم عليهالسلام ، وأخبر الله أن ضيفه مكرمون. ومنها : ما منّ الله به على خليله إبراهيم ، من الكرم الكثير ، وكون ذلك حاضرا لديه ، وفي بيته معدا ، لا يحتاج إلى أن يأتي به من السوق أو الجيران ، أو غير ذلك. ومنها : أن إبراهيم ، هو الذي خدم أضيافه ، وهو خليل الرحمن ، وسيد من ضيّف الضيفان. ومنها : أنه قرّبه إليهم في المكان الذي هم فيه ، فلم يجعله في موضع ، ويقول لهم : «تفضلوا ، أو ائتوا عليه» لأن هذا أيسر وأحسن. ومنها : حسن ملاطفة الضيف في الكلام اللين ، خصوصا عند تقديم الطعام إليه ، فإن إبراهيم عرض عليهم عرضا لطيفا ، فقال : (أَلا تَأْكُلُونَ) ، ولم يقل : «كلوا» ونحوه من الألفاظ ، الّتي غيرها أولى منها ، بل أتى بأداة العرض ، فقال : (أَلا تَأْكُلُونَ). فينبغي للمقتدى به أن يستعمل من الألفاظ الحسنة ، ما هو المناسب واللائق بالحال ، كقوله لأضيافه : «ألا تأكلون» أو : «ألا تتفضلون» أو «تشرفوننا وتحسنون إلينا» ، ونحو ذلك. ومنها : أن من خاف من أحد ، لسبب من الأسباب ، فإن عليه أن يزيل عنه الخوف ، ويذكر له ما يؤمن روعه ، ويسكّن جأشه ، كما قالت الملائكة لإبراهيم لما خافهم : (لا تَخَفْ) ، وأخبروه بتلك البشارة السارة ، بعد الخوف منهم. ومنها : شدة فرح سارة ، امرأة إبراهيم ، حتى جرى منها ما جرى ، من صك وجهها ، وصرّتها غير المعهود. ومنها : ما أكرم الله به إبراهيم وزوجته سارة ، من البشارة ، بغلام عليم.
[٣٨ ـ ٣٩] أي : (وَفِي مُوسى) وما أرسله الله به إلى فرعون وملئه ، بالآيات البينات ، والمعجزات الظاهرات ، آية للذين يخافون العذاب الأليم ، فلما أتى موسى بذلك السلطان المبين ، تولى فرعون (بِرُكْنِهِ) ، أي : أعرض بجانبه عن الحقّ ، ولم يلتفت إليه ، وقدحوا فيه أعظم القدح ، فقالوا : (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) ، أي : إن موسى ، لا يخلو ، إما أن يكون ما أتى به سحرا وشعوذة ، ليس من الحقّ في شيء ، وإما أن يكون مجنونا ، لا يؤخذ بما صدر منه لعدم عقله. هذا ، وقد علموا ، خصوصا فرعون ، أن موسى صادق ، كما قال تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا). وقال موسى لفرعون : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) الآية.
[٤٠] (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ) (٤٠) ، أي : مذنب طاغ ، عات على الله ، فأخذه أخذ عزيز مقتدر.
[٤١] أي : (وَ) آية لهم (فِي عادٍ) القبيلة المعروفة (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) ، أي : الّتي لا خير فيها ، حين كذبوا نبيهم هودا عليهالسلام.
[٤٢] (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) (٤٢) ، أي : كالرمم البالية ، فالذي أهلكهم على قوتهم وبطشهم ، دليل على كمال قوته واقتداره ، الذي لا يعجزه شيء ، المنتقم ممن عصاه.
[٤٣] أي : (وَفِي ثَمُودَ) آية عظيمة ، حين أرسل الله إليهم صالحا عليهالسلام ، فكذبوه وعاندوه ، وبعث الله له الناقة ، آية مبصرة ، فلم يزدهم ذلك إلا عتوا ونفورا. (إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ)
[٤٤] (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) ، أي : الصيحة العظيمة المهلكة (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) إلى عقوبتهم بأعينهم.
[٤٥] (فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) ينجون به من العذاب (وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) لأنفسهم.