[٤٦] (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (٤٦) أي : وكذلك ما فعل الله بقوم نوح ، حين كذبوا نوحا عليهالسلام ، وفسقوا عن أمر الله. فأرسل عليهم السماء والأرض بماء منهمر ، فأغرقهم عن آخرهم ، ولم يبق من الكافرين ديارا ، وهذه عادة الله وسنته ، فيمن عصاه.
[٤٧] يقول تعالى مبينا لقدرته العظيمة : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها) ، أي : خلقناها وأتقنّاها ، وجعلناها سقفا للأرض وما عليها. (بِأَيْدٍ) ، أي : بقوة وقدرة عظيمة (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) لأرجائها وأنحائها. وإنا لموسعون أيضا على عبادنا بالرزق الذي ما ترك دابة في مهامه القفار ، ولجج البحار ، وأقطار العالم العلوي والسفلي ، إلا وأوصل إليها من الرزق ، ما يكفيها ، وساق إليها من الإحسان ما يغنيها. فسبحان من عم بجوده جميع المخلوقات ، وتبارك الذي وسعت رحمته ، جميع البريات.
[٤٨] (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) ، أي : جعلناها فراشا للخلق ، يتمكنون فيها من كلّ ما تتعلق به مصالحهم ، من مساكن وغراس وزرع وحرث وجلوس ، وسلوك للسبل الموصلة إلى مقاصدهم ومآربهم. ولما كان الفراش قد يكون صالحا للانتفاع من كلّ وجه ، وقد يكون من وجه دون وجه ، أخبر تعالى أنه مهدها أحسن مهاد ، على أكمل الوجوه وأحسنها ، وأثنى على نفسه بذلك ، فقال : (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) الذي مهد لعباده ما اقتضته حكمته ورحمته.
[٤٩] (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) ، أي : صنفين ، ذكر وأنثى ، من كلّ نوع من أنواع الحيوانات. (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) لنعم الله الّتي أنعم بها عليكم في تقدير ذلك ، وحكمته حيث جعل ما هو السبب لبقاء نوع الحيوانات كلها ، لتقوموا بتنميتها وخدمتها وتربيتها ، فيحصل من ذلك ما يحصل من المنافع.
[٥٠] فلما دعا العباد إلى النظر إلى آياته الموجبة لخشيته ، والإنابة إليه ، أمر بما هو المقصود من ذلك ، وهو الفرار إليه ، أي : الفرار مما يكرهه الله ظاهرا وباطنا إلى ما يحبه ، ظاهرا وباطنا ، فرار من الجهل إلى العلم ، ومن الكفر إلى الإيمان ، ومن المعصية إلى الطاعة ، ومن الغفلة إلى الذكر. فمن استكمل هذه الأمور ، فقد استكمل الدين كله ، وزال عنه المرهوب ، وحصل له غاية المراد والمطلوب. وسمى الله الرجوع إليه فرارا ، لأن في الرجوع إلى غيره أنواع المخاوف والمكاره ، وفي الرجوع إليه أنواع المحاب والأمن والسرور والسعادة والفوز. فيفرّ العبد من قضائه وقدره إلى قضائه وقدره ، وكلّ من خفت منه فررت منه إلى الله تعالى ، فإنه بحسب الخوف منه ، يكون الفرار إليه. (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) ، أي : منذر لكم من عذاب الله ، ومخوف بيّن النذارة.
[٥١] (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) ، هذا من الفرار إلى الله ، بل هذا أصل الفرار إليه أن يفر العبد من اتخاذ آلهة غير الله من الأوثان والأنداد والقبور ، وغيرها ، مما عبد من دون الله ، ويخلص لربه العبادة والخوف ، والرجاء والدعاء ، والإنابة.
[٥٢] يقول الله ـ مسليا لرسوله صلىاللهعليهوسلم ـ عن تكذيب المشركين بالله ، المكذبين له ، القائلين فيه من الأقوال الشنيعة ، ما هو منزه عنه ، وأن هذه الأقوال ما زالت دأبا وعادة للمجرمين المكذبين للرسل ، فما أرسل الله من رسول إلا رماه قومه بالسحر أو الجنون.
[٥٣] يقول الله تعالى : هذه الأقوال الّتي صدرت منهم ـ الأولين والآخرين ـ هل هي أقوال