أقسام الوضع
وقد بقي الكلام في الجهة الثالثة بالنسبة إلى بيان أقسام الوضع.
فلا يخفى عليك أنّه لا بدّ لكلّ من يكون أمر الوضع بيده وعهدته ابتداء قبل التصدّي للوضع من باب المقدّمة التصوّرية أن يتصوّر اللفظ والمعنى الذي يريد أن يعيّن ذلك اللفظ بإزائه بالتفصيل أو بالإجمال ، ثمّ بعد تصوّرهما يعيّن الأوّل اسما للثاني واللفظ دالّا عليه ، أي على المعنى الموضوع له ، ليتحصّل الغرض الذي يترتّب على الوضع الذي يكون من الأفعال الاختياريّة للواضع الحكيم ، وذلك الغرض عبارة عن الإفهام والتفهيم والتفهّم في مقام التخاطب في المحاورة ، بلا تصوّر أيّ فرق في ذلك بالنسبة إلى جميع المسالك المتقدّمة التي ذكرناها في كيفيّة بيان حقيقة الوضع بما لها من التفاصيل الماضية عليك في البحث المتقدّم ، إذ الوضع بما أنّه من الأفعال الاختيارية للواضعين لا يعقل صدور وضع منهم بالنسبة إلى جعل لفظ غير متصوّر لمعنى غير متصوّر.
ومن الضروري أنّه لا بدّ من أن يتصوّر اللفظ والمعنى قبل الوضع عند وجدانه وهكذا المعنى ، ثمّ بعد ذينك التصوّرين المعلومين يعيّن ذلك اللفظ بإزاء ذلك المعنى المعيّن ، فيكون هذا هو الفارق بين الوضع والاستعمال ، كما تقدّمت الإشارة إليه في الأبحاث الماضية عند بيان حقيقة علقة الوضعيّة.
وحاصل الكلام فيها أنّ الوضع لمّا كان من الأفعال الاختيارية لكلّ من يتصدّى لأمر الوضع ـ بأيّ معنى من المعاني المتقدّمة التي فسّرناها ـ يتوقّف