أفكار المتفكّرين من الرجال ، بحيث بقيت آثار ذلك النفاق إلى الآن ميراثا في قلوب النساء ورجال والعلم والفقه والتأريخ من الأخيار ، فضلا عن العوام والجهّال ـ فإنّه قياس مع الفارق ، لأنّ السبب في إنكار ذلك حبّ الدنيا ، فإنّه رأس كلّ خطيئة ، والرئاسة التي دأب عليها أهلها حتّى بالنسبة إلى إنكار الخالق البارئ المصوّر والرسول الأكرم ، فكيف بأمير المؤمنين ويعسوب الدين الذي اجتمع على إنكار خلافته كلّ من الحاسدين من أهل الحقد ، بحيث ينادي هو عليهالسلام بسبب هذا الإنكار الشنيع رسول الله بحزن وشجن حيث قال : أصبحنا يا رسول الله بعدك من المستضعفين ، كما يقول هارون عليهالسلام لأخيه موسى عليهالسلام : (يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي)(١) ، (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي)(٢) ؛ لأنّ ذلك الأمر كان شاقّا على المنافقين وعلى كلّ من يخطر بباله القاصر طمع التصدّي لهذا الأمر العظيم في غياب النبيّ الكريم صلىاللهعليهوآله.
وبالجملة ، فلمّا كان هذا الأمر العظيم على خلاف طبائعهم الحاسدة وأنّهم كانوا طامعين في هذه الرئاسة العامّة ، فأقدموا على إعدامه وإنكاره بالتشكيكات الواهية الكاذبة.
بخلاف مسألة وضع أسامي العبادات والمعاملات والطهارات والحدود والقصاص ، فإنّهم كانوا من المشتاقين لنقلها وجمعها وضبطها والعمل بها ؛ إذ كلّ ذلك كان دخيلا في مقاصدهم الواقعيّة والظاهريّة ، لا سيّما بالنسبة إلى الأخير ؛ لأنّه كان دخيلا في جلب توجّه الناس إليهم الذي يقرّر ويثبت رئاستهم الكاذبة ، ولأجل ذلك كان نقل مسألة إثبات الحقيقة الشرعيّة بنحو الوضع التعييني إذا
__________________
(١) طه : ٩٤.
(٢) الأعراف : ١٥٠.