كلّ باب ـ بل كلّ مسألة ـ علما مستقلا ، لوجود ملاك الامتياز فيها ، كما تفطّن صاحب الكفاية قدسسره (١).
وأمّا إذا لم يكن للعلم غرض خارجي يترتّب عليه سوى العرفان والإحاطة به فقط ، كعلم الفلسفة الاولى ، فلا بدّ من أن يكون امتيازه عن غيره من العلوم بالذات أو بالموضوع أو بالمحمول ، كما إذا فرض أنّ غرضا يطلب منّا تدوين علم جعل الموضوع فيه الكرة الأرضيّة مثلا ، ويبحث فيه من ناحية أحوالها من الكميّة والوضع والكيفيّة والأين ونحو ذلك ، وما لها من الخواصّ الطبيعية والمزايا الاخرى بما لها من أنواع الخواصّ المختلفة. وهكذا إذا فرضنا أنّ غرضا يطلب منّا تدوين علم يكون موضوعه الإنسان ، لنبحث فيه عن حالاته الطارئة عليه ، وعن صفاته الظاهريّة والباطنيّة ، وعن أعضائه وجوارحه وما لها من الآثار والخواصّ ، فلا ينبغي الريب في أنّ امتياز علمه عن غيره في أمثاله ليس إلّا بالذات أو بالموضوع من دون قسم ثالث لهما ، إذ الغرض الخارجي منتف ، ولا غرض هنا غير العرفان والإحاطة ليرجع إليه في أخذ الامتياز بذلك الغرض الخارجي.
كما أنّه يمكن أن يكون الامتياز بالمحمول فيما إذا فرضنا أنّ غرض الكاتب والمدوّن والمصنّف تعلّق بعرفان معروض الحركة ، بلا فرق بين ما كان ما له الحركة من مقولة الجوهر أو من غيرها من المقولات الاخرى ، إذ في مثل هذا العلم لا تشخيص ولا امتياز له إلّا من ناحية المحمول.
وقد انقدح لك بما بيّناه من التحقيق الدقيق وجه عدم صحّة إطلاق القولين المتقدّمين من صاحب الكفاية ومن المشهور قدّس الله تعالى أسرارهم.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٢.