وقد بقي الكلام في بيان الجهة الثالثة : فلا بدّ لنا من التعرّض لها ليتّضح المراد منها ـ وهي عبارة عن استلزام النقل تعطيل العقول عن فهم الأدعية والمناجاة والتوسّلات بالأوراد والأذكار التي وردت في جوامع الدعوات من الأنبياء والأئمة عليهمالسلام بل في آيات من القرآن الكريم ـ فمن الظاهر أنّه لا يتمّ في محلّ الكلام هاهنا بالقطع واليقين وإن كان تماما في مقام إثبات أنّ مفهوم الوجود واحد مشترك معنوي بين الواجب والممكن ، كما ذكر السبزواري في شرح المنظومة (١) وغيره.
ولكنّه غير تامّ في مثل مقامنا هذا ، إذ المغايرة بين المبدأ والذات حسب المتفاهم العرفي فى ألسنة أهل المحاورة واللغة من هيئات المشتقّات الدائرة في الألسن أمر معلوم واضح بلا شكّ ولا ريب فيه. وقد سبق آنفا أنّ الاتحاد والعينيّة بينهما خارج عن الصدق العرفي ، فلا يصحّ حينئذ إطلاق المشتقّ على سنخ إطلاق المشتقّات عليه تعالى بهذا المعنى المتعارف.
بل الحقّ لطالبه في المقام يتلخّص بأنّ المبدأ في صفاته عزوجل ليس إلّا عين ذاته المقدّسة بلا أيّ تغيّر بينهما بوجه من الوجوه من الأصل والأساس ، فإذن انقدح لا محالة لك الحقّ بأنّ الإطلاق عليه جلّ شأنه لا بدّ من أن يكون بمعنى آخر من المعاني مجازا ، وهو ما يكون المبدأ فيه عين الذات ، فحينئذ فلا يراد من كلمتي «العالم والقادر» في قولنا «يا عالم ويا حيّ ويا قادر ويا حكيم» مثلا معناها المتعارف في المحاورة ، بل إنّما يراد بهما من يكون علمه وقدرته عين ذاته ، فيكون مرجع «يا عالم» عند المخاطبة والمناجاة معه عزوجل إلى «يا الله» كما أشار إلى ذلك المعنى الذي فسّرناه لك بعض الروايات : بأنّ
__________________
(١) شرح المنظومة : ١٠ ، فنّ الحكمة.