مشربنا ومسالك القوم.
وأمّا الكلام في الأمر الثالث فمقرون بالإشكال ، ولا مردّ عنه على ما سيأتي بيانه بحول من الله تعالى وقوّته من أنّ الصحيح الذي هو قابل للتصديق في المقام عبارة من أنّ حقيقة الوضع بحسب الواقع ليست إلّا التعهّد والالتزام النفساني فقط لا غير.
وأمّا الأمر الرابع (وهو أنّ سنخ الوضع مثل سنخ الوضع الواقعي الحقيقي الخارجي) فغير قابل للتصديق. ويرد عليه أوّلا : عين الإيراد الذي أوردناه على القول الثاني ، إذ ذكرنا هناك أنّ تفسير الوضع بتلك الدقّة وذلك المعنى لو فرضنا صحّته في نفسه بحسب الواقع ليس هنا محلّه ، إذ هو تفسير مشكل دقيق لا يناسب أذهان العامّة الواضعين بالقطع واليقين خصوصا القاصرين منهم مثل الأطفال والمجانين ، إذ هم أهل الوضع كما ترى أنت صدور الوضع عنهم كثيرا في جنب الواضعين والمستعملين ، إذ هم غير مدركين لهذا المعنى الدقيق الذي نزّل الوضع منزلة نصب العلم على رأس الفرسخ مع أنّ صدور الوضع منهم غير قابل للإنكار ، والحال أنّهم لا يدركون هذا المعنى الدقيق الذي يختصّ بتعداد معدود من المحقّقين.
وثانيا : أنّ اعتبار وضع الألفاظ ليس من سنخ الأوضاع الحقيقية مثل وضع العلم على رأس الفرسخ ، وذلك من جهة أنّ وضع العلم يتقوّم بثلاثة أركان :
الركن الأوّل : الموضوع ، وهو العلم.
والركن الثاني : عبارة عن الموضوع عليه ، وهو عبارة عن ذلك المكان بما هو مكان خاصّ في حدّ ذاته.
الركن الثالث : وهو عبارة عن الموضوع له ، وهو الدلالة على كون المكان رأس الفرسخ.