في بعض الطبقات ، وجدت في هذا الاسطوان أربعمائة خطوة وخمسين خطوة على ست /٢٩٤/ واحد ، وعند خروجنا منها طلب من الباشدور بواسطة الترجمان ، التاجر القائم بصنع تلك الموائد من المرمر ليرى كيفية النقش والتوريق ، لعله أراد بذلك دفع ما كنت أتوهمه من أن ذلك التوريق إنما هو طلاء ، فساعده وتوجهنا معه إلى دار وصعدنا طبقة بها ، فوجدنا أناسا ينشرون (١) المرمر بخيط من السلك معقود بين طرفي عود مقوس كقوس الرباب ، وعند النشر يأخذ يسيرا من الماء بقصبة كالقلم وذلك الماء مختلط بشيء على لون الرماد ، فسألت عنه ما هو ، فقيل هو حجر الديمانط الذي يتساقط منه يدق ويحل في هذا الماء ويدهن به محل النشر ، ولولاه ما أثر في هذا المرمر شيء ، ثم أناسا آخرين يورقون هذا الحجر بالمخرطة ، بحيث يركبون في المخرطة مغزلا ، ورأسه كروي يجعل به شيء من ذلك الدهن ، ويحرك المخرطة ويأخذ من المرمر برأس ذلك المغزل عند دورانه الكيفية المرادة من التوريق ، وأمامه مغازيل كثيرة رقيقة وغليظة ، كل واحد منها يخدم به في محله من التوريق ، ووجدنا رخامة من المرمر قد حفر في وسطها محل التوريق ، وصار بعضهم يضع في تلك الحفر الحجر من المرمر المورق ، ويركب واحدة فوق واحدة ، حتى رأينا كيفية ترصيف ذلك التوريق في المرمر ، ثم صعدنا إلى طبقة أخرى فوجدنا فيها موائد (٢) من المرمر على ألوان تامة الصنعة مورقة ، منها ما هو على شكل البيضة طولها ستة أشبار ، ولون مرمرها أسود والتوريق بوسطها وبالحواش بألوانه ، ومنها ما هي مستديرة ، ومنها ما هي مربعة مستطيلة ، إحداها فيها سبعة أشبار ناقصة طولا وثلاثة أشبار وزيادة عرضا ، وبقربها ورقة معلقة بخيط مبين فيه ثمنها قدره مائة ألف من الافرنك وسبعة عشر ألفا منه وستمائة ، ومنها ما هو دون هذا الثمن إلى خمسة آلاف من الافرنك ، فاستحسن الباشدور عملهم وشكر صنعتهم ، وخرجنا راجعين إلى /٢٩٥/ محل النزول.
__________________
(١) مناشير أسنانها من الماس (الديمانض) شديدة الصلابة تستعمل في أشغال الصقل والكشط. (نفس المرجع السابق).
(٢) ضمن الهدايا التي قدمها ملك إيطاليا للسفارة المغربية ، مائدة مرمرية من هذه العينات.