لا أسألكم عليه أجرا (إِنْ أَجْرِيَ) ما ثوابي (إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٤٧) مطلع يعلم صدقي (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِ) يلقيه إلى أنبيائه (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (٤٨) ما غاب عن خلقه في السماوات والأرض (قُلْ جاءَ الْحَقُ) الإسلام (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ) الكفر (وَما يُعِيدُ) (٤٩) أي لم يبق له أثر (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ) عن الحق (فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) أي إثم ضلالي عليها (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) من القرآن والحكمة (إِنَّهُ سَمِيعٌ) الدعاء (قَرِيبٌ) (٥٠) (وَلَوْ تَرى) يا محمد (إِذْ فَزِعُوا) عند البعث لرأيت أمرا عظيما (فَلا فَوْتَ) لهم منا ، أي لا يفوتونا
____________________________________
الموصول من العموم ، وعلى كل فيحتمل أن المعنى : ما أسألكم أجرا البتة ، فيكون كقولك لمن لم يعطك شيئا أصلا : إن أعطيتني شيئا فخذه ، ويؤيده قوله : (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) ، وقول المفسر : (أي لا أسألكم عليه أجرا) ويحتمل أن المعنى : لم أسألكم شيئا يعود نفعه علي ، فهو كقوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ، وقوله : (ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً).
قوله : (قُلْ إِنَّ رَبِّي) أي مالكي وسيدي. قوله : (يَقْذِفُ بِالْحَقِ) مفعول (يَقْذِفُ) محذوف تقديره يقذف الباطل بالحق ، ويؤيده قوله تعالى : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ) أي ندفع الباطل بالحق ونصرفه به ، ويصح أن تكون الباء للملابسة ، والمفعول محذوف أيضا ، والتقدير : يقذف الوحي إلى أنبيائه ملتبسا بالحق ، أو ضمن يقذف معنى يقضي ويحكم ، والأقرب الأول ، لأن خير ما فسرته بالوارد. قوله : (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) خبر ثان لأن ، أو خبر مبتدأ محذوف. قوله : (ما غاب عن خلقه) أي فتسميته غيبا بالنسبة للخلق ، وإلا فالكل شهادة عنده تعالى.
قوله : (قُلْ جاءَ الْحَقُ) أفاد بذلك أن الوعد منجز ومتحقق بالفعل ، فليس مجرد وعد. قوله : (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) أي لم يبق له بداية ولا إعادة ولا نهاية ، فهو كناية عن ذهابه بالمرة ، وهذا بمعنى قوله تعالى : (قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) إن قلت : إن السورة مكية ، والكفر في ذلك الوقت ، كان له شوكة قوية ، والإسلام كان ضعيفا ، فكيف قال (قُلْ جاءَ الْحَقُ) إلخ؟ أجيب بأنه لتحقق وقوعه نزله منزلة الواقع ، فعبر عنه بالماضي كقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ).
قوله : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) سبب نزولها : أن الكفار قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : تركت دين آبائك فضللت ، والمعنى : فقل لهم يا محمد : إن حصل لي ضلال كما زعمتم ، فإن وبال ضلالي على نفسي ، لا يضر غيري ، وقراءة العامة بفتح اللام من باب ضرب ، وقرىء شذوذا بكسر اللام من باب علم. قوله : (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ) إلخ ، أي لأن الاهتداء لا يكون إلا بهدايته وتوفيقه. قوله : (فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) أي بسبب إيحاء ربي إلي ، أو بسبب الذي يوحيه إلي ، فما مصدرية أو موصولة ، والمعنى فهداي بفضل الله تعالى ، فحاصل المعنى المراد ، أنه إن كان بي ضلال ، فمن نفسي لنفسي ، وإن كان بي هدى ، فمن فضل الله بالوحي إلي ، على حد قوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ). قوله : (إِنَّهُ سَمِيعٌ) أي يسمع كل ما خفي وما ظهر ، وقوله : (قَرِيبٌ) أي قرب مكانة لا مكان. قوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) يحتمل أن مفعول (تَرى) محذوف تقديره : ولو ترى حالهم وقت فزعهم ، ويحتمل أن (إِذْ) مفعول (تَرى) أي ولو ترى وقت فزعهم ؛ واسناد الرؤية للوقت