بعده (قَدَّرْناهُ) من حيث سيره (مَنازِلَ) ثمانية وعشرين منزلا في ثمان وعشرين ليلة من كل شهر ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما وليلة وإن كان تسعة وعشرين يوما (حَتَّى عادَ) في آخر منازله في رأي العين (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (٣٩) أي كعود الشماريخ إذا عتق فإنه يرق ويتقوس ويصغر (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي) يسهل ويصح (لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) فتجتمع معه في الليل (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) فلا يأتي قبل انقضائه (وَكُلٌ) تنوينه عوض عن المضاف إليه من الشمس والقمر والنجوم (فِي فَلَكٍ) مستدير (يَسْبَحُونَ) (٤٠) يسيرون نزلوا منزلة العقلاء (وَآيَةٌ لَهُمْ) على قدرتنا (أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) وفي قراءة ذرياتهم أي آباءهم الأصول (فِي الْفُلْكِ) أي سفينة نوح (الْمَشْحُونِ) (٤١) المملوء (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ) أي مثل فلك نوح ، وهو ما عملوه على
____________________________________
متحد. قوله : (بالرفع) أي على مبتدأ خبره (قَدَّرْناهُ). قوله : (والنصب يفسره ما بعده) أي فهو من باب الاشتغال. قوله : (من حيث سيره) أشار بذلك إلى أن قوله : (مَنازِلَ) ظرف لقوله : (قَدَّرْناهُ) والتقدير قدرنا سيره في منازل ، ويصح جعله حالا على حذف مضاف ، والتقدير ذا منازل. قوله : (أي كعود الشماريخ) جمع شمراخ ، وهو عيدان العنقود الذي عليه الرطب. قوله : (إذا عتق) من باب ظرف وقعد. قوله : (فإنه يدق ويتقوس ويصغر) أي فوجه الشبه فيه مركب من ثلاثة أشياء.
قوله : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) أي بحيث تأتي في وسط الليل ، لأن ذلك يخل بتلوين النبات ونفع الحيوان ، ويفسد النظام ، ولم يقل سحبانه وتعالى : ولا القمر يدرك الشمس ، لأن سير القمر أسرع ، لأنه يقطع الفلك في شهر ، والشمس لا تقطع فلكها في سنة ، فالشمس قطعا لا تدرك القمر ، والقمر قد يدرك الشمس في سيرها ، ولكن لا سلطنة له. قوله : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) أي لا يأتي الليل في أثناء النهار قبل أن ينقضي ، كأن يأتي في وقت الظهر مثلا. قوله : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) قال ابن عباس : يدورون في فلكة كفلكة المغزل. قوله : (والنجوم) أي المدلول عليها بذكر الشمس والقمر. قوله : (نزلوا منزلة العقلاء) أي حيث عبر عنهم بضمير جمع الذكور ، والذي سوغ ذلك ، وصفهم بالسباحة التي هي من أوصاف العقلاء.
قوله : (وَآيَةٌ لَهُمْ) خبر مقدم (أَنَّا حَمَلْنا) في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر ، أي حملنا ذريتهم في الفلك ، آية دالة على باهر قدرتنا. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (أي آباءهم الأصول) أشار بذلك إلى أن لفظ الذرية ، كما يطلق على الفروع ، يطلق على الأصول ، لأنه من الذرء وهو الخلق ، فاندفع ما يقال : إن الذي حمل في سفينة نوح ، أصول أهل مكة لا فروعهم ، وهذا أوضح ما قررت به هذه الآية. قوله : (المملوء) أي لأن نوحا جعله ثلاث طبقات : السفلى وضع فيها السباع والهوام ، والوسطى فيها الدواب والأنعام ، والعليا وضع فيها الآدميين والطير.
قوله : (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ) هذا امتنان آخر مرتب على ما قبله ، والمعنى : جعلنا سفينة نوح آية عظيمة على قدرتنا ، ونعمة للخلق ، وعلمناهم صنعة السفينة ، فعملوا سفنا كبارا وصغارا لينتفعوا بها.