مترتّب على وجود أوامر للمولى ، إذ أنّ العقل لا يحكم بحسن الطاعة وقبح المعصية لو لم تكن أوامر للمولى ، فلو قطع العبد بعدم وجود تكليف إلزامي تجاه فعل معيّن فهنا لا يحكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية ؛ إذ أنّ موضوع حكم العقل بذلك هو وصول التكليف الإلزامي للمكلّف وقد افترضنا عدمه.
ومع اتّضاح هذا النحو من المدركات العقليّة يتّضح خروجه عن محلّ البحث ؛ إذ أنّ البحث الأصولي مختصّ بالمدركات العقلية الواقعة في رتبة الكتاب والسنة والتي يمكن أن يستنبط منها حكم شرعي ، لا المدركات التي تثبت بعد تقرّر الحكم الشرعي.
الأمر الثالث : إنّ الدليل العقلي تارة يكون واسطة في إثبات حكم شرعي وأخرى يكون واسطة في نفي حكم شرعي دون أن تكون له صلاحيّة لإثبات حكم آخر.
ومثال الأول : إدراك العقل لملاك الحكم وأنّه المصلحة التامة المقتضية لترتّب الحكم مع افتراض عدم وجود المانع من تأثير تلك المصلحة أثرها في ترتّب الحكم ، فحينئذ يكون هذا الإدراك موجبا لثبوت الحكم الشرعي بنحو الدليل اللمي الكاشف عن ثبوت المعلول بواسطة ثبوت العلّة.
ومثال الثاني : إدراك العقل لاستحالة اجتماع الأمر والنهي ، أو إدراكه لاستحالة اجتماع حكمين متضادين ، فإنّ إدراك العقل للاستحالة يوجب إدراكه لنفي حكم شرعي يلزم من ثبوته المحال ، فلو قطع المكلف مثلا بحرمة شرب الخمر فإنّ العقل هنا ينفي الحليّة الشرعية عن شرب الخمر ، وذلك لإدراكه استحالة اجتماع حكمين متضادين على موضوع واحد.