العقل لقبح الظلم وحسن العدل ، فإنّ هذا الإدراك يستتبع موقفا عمليّا مطابقا لمقتضاه دون الحاجة إلى توسّط مقدمة أخرى ، كما هو الحال فيما يدرك بالعقل النظري.
الأمر الثاني : إنّ المدركات العقلية التي هي محلّ البحث في علم الأصول هي المدركات التي يمكن أن يستفاد منها استكشاف حكم شرعي أو نفي حكم شرعي ، فهي إذن المدركات التي تكون في عرض الكتاب والسنة ، والتي يكون لها نفس الدور الثابت للكتاب والسنة ، وهو الدليلية والكاشفية عن الأحكام الشرعيّة ، وبهذا يتّضح خروج نحوين من المدركات العقلية عن بحث الأصول.
النحو الأول : وهو المدركات العقلية التي تثبت بها حجية الكتاب والسنة ، فإنّ هذا النحو من المدركات ليست في رتبة الكتاب والسنة ، بل هي الموجبة لحجّيتهما ، إذ أنّ ثبوت الحجيّة لهما لا يمكن أن يثبت بواسطة نفس الكتاب والسنة وإلا لزم الدور المستحيل ، كما أنّ الاعتقاد بصدق الكتاب والسنة من الأصول الاعتقادية التي لا يكتفى فيها بالظن ، فلا سبيل للعلم بحجّيتهما إلا الأدلة العقلية القطعية ، وهذه الأدلة العقلية ليست محلا للبحث ولم تقع محلا للنزاع.
النحو الثاني : وهو المدركات العقلية الواقعة في رتبة معلولات الأحكام الشرعية أي أنّها متأخّرة عن الحكم الشرعي ويكون الحكم الشرعي بمثابة العلة لوجودها ، فلولا تقرّر الحكم الشرعي في رتبة سابقة لما كان لذلك الإدراك وجود.
ومثاله إدراك العقل لحسن الطاعة وقبح المعصية ، فإنّ هذا الإدراك