الإيراد الأوّل :
إنّ ظاهر الرواية هو أنّ الأحكام الموضوعة عن المكلّفين هو ما كان خفاؤها ناشئا عن تعمّد الشارع لإخفائها ؛ وذلك لإسناد الحجب إلى الله جلّ وعلا ، فعليه لا تكون الرواية شاملة للأحكام التي نشأ عدم العلم بها عن ضياع النصوص مثلا أو التدليس فيها بحيث يخفى معه الواقع أو نشأ عن إخفاء من له مصلحة في الإخفاء وكانت الأسباب تجري على وفق إرادته ، فتكون الرواية أخصّ من المدعى ؛ إذ أنّ المدعى هو جريان البراءة الشرعيّة عند عدم العلم مطلقا بقطع النظر عمّا هو المنشأ لعدم العلم.
والجواب عن هذا الإيراد :
إنّ نسبة الحجب إلى الله تعالى لا ينافي انتساب الحجب أيضا إلى تطاول الزمن وضياع النصوص وتدخّل أصحاب النفوس الشرّيرة في إخفاء ما ينافي أغراضهم وطموحاتهم ، فإنّ كلّ ما في الكون من خطير وحقير فهو من تدبير الله جلّ وعلا وخاضع لقيّوميّته تعالى ، فانتساب كلّ شيء في هذا الكون إلى الله سبحانه وتعالى لا يكون فيه أيّ عناية وتجوّز حتى يكون المستظهر خلافه ، فحينما يقال : « حجب الله علمه عن العباد » فإنّ هذا الإسناد كما يصدق على الحجب الناشئ عن الله تعالى بلا واسطة يصدق كذلك على الحجب الناشئ عن الأسباب الطبيعيّة كتطاول الزمن وضياع النصوص.
وبهذا لا يكون إسناد الحجب إلى الله تعالى دالا على اختصاص الرواية بالأحكام التي نشأ عدم العلم بها عن الله تعالى بلا واسطة ؛ وذلك لأنّ إسناد الحجب إلى الله تعالى باعتباره القيّوم والمدبّر لشؤون الكون كلّه ،