الاحتياط فإن الترجيح يكون مع أدلّة البراءة ؛ وذلك أولا لأنّ البراءة مستفادة من القرآن كقوله تعالى : ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) (١) ، وأمّا وجوب الاحتياط فهو مستفاد من أخبار آحاد وقد ثبت في بحث التعارض أنّ الدليل القرآني إذا عارضه خبر الواحد فإنّ الدليل القرآني هو المقدّم ، وبذلك تسقط الحجيّة عن خبر الواحد فلا يكون صالحا لإثبات مؤداه.
وثانيا : إنّ العلاقة بين دليل الاحتياط ودليل البراءة هي علاقة العام والخاص ؛ وذلك لأنّ دليل الاحتياط يأمر بالاحتياط في موارد الشبهات البدويّة والشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ، وأمّا دليل البراءة فمؤداه هو جريان البراءة في خصوص موارد الشبهات البدويّة.
ومن هنا يمكن الجمع العرفي بينهما ، وذلك بواسطة حمل العام وهو دليل الاحتياط على الخاص وهو دليل البراءة وهذا يعني تقديم أدلّة البراءة على الاحتياط في موارد الشبهات البدويّة وتبقى أدلّة الاحتياط مثبة لوجوب الاحتياط في موارد الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي.
وثالثا : لو سلمنا باستحكام التعارض بين دليلي الاحتياط والبراءة ـ وعدم وجود ما يقتضي تقديم أدلّة البراءة ـ وترتّب على ذلك سقوط الدليلين عن الحجيّة فإن بالإمكان الرجوع إلى أدلّة الاستصحاب والتي هي أعم من دليلي البراءة والاحتياط ، ومن الواضح أنّ الاستصحاب ـ كما تقدّم ـ يقتضي عدم حدوث التكليف المشكوك ، وبهذا تكون نتيجته كنتيجة البراءة.
وبيان ذلك : إنّ دليل الاستصحاب أعم من دليل الاحتياط ؛ وذلك
__________________
(١) سورة التوبة آية ١١٥.