لأنّ دليل الاستصحاب ـ مثل قول أبي عبد الله عليهالسلام في صحيحة زرارة « ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر » (١) ـ يشمل مثل موارد الشبهات الحكميّة والشبهات الموضوعيّة ، وأمّا الاحتياط فهو مختص بموارد الشبهات الحكميّة ، وإذا كان كذلك فالمقدّم هو دليل الاحتياط في موارد الشبهات الحكميّة حملا للعام على الخاص ، إلاّ أنّ دليل الخاص « الاحتياط لمّا كان مبتليا بما يعارضه وهو دليل البراءة فحينئذ لا يصلح لتخصيص دليل الاستصحاب ؛ وذلك لسقوطه مع دليل البراءة بالتعارض ، فيبقى عموم دليل الاستصحاب على حاله ، وباعتبار أنّ دليل الاستصحاب يثبت عدم حدوث التكليف المشكوك فهذا يعني أنّه ينتج نتيجة البراءة الشرعيّة وهو التأمين عن التكليف المشكوك.
ولغرض توضيح المطلب أكثر نذكر هذا المثال :
لو ورد دليل مفاده « أكرم كلّ العلماء » ثمّ ورد مخصّص لهذا الدليل مفاده « لا تكرم فسّاق العلماء » فإن هذا الدليل المخصّص يقتضي تخصيص عموم العام فتكون النتيجة هي وجوب إكرام العلماء العدول إلاّ أنّه لو ورد ما يعارض دليل المخصّص مثلا « فساق العلماء يجب إكرامهم » فإنّ المخصّص وهو « لا تكرم فسّاق العلماء » يسقط عن الحجيّة بسبب ورود ما يعارضه ، وبهذا لا يكون صالحا لتخصيص العام ، فيبقى عموم العام على حاله فيكون الواجب هو إكرام جميع العلماء.
والمقام من هذا القبيل ؛ وذلك لأنّ المخصص لدليل الاستصحاب العام سقط بسبب ابتلائه بالمعارض وهو دليل البراءة فيبقى دليل العام صالحا لنفي التكليف المشكوك بواسطة استصحاب عدم حدوثه.
__________________
(١) الوسائل باب ١ من أبواب نواقض الوضوء ح ١.