على ما يثبت التكليف فلم يجد ما يثبت التكليف فإنّه يكون من مصاديق منطوق الجملة الغائيّة في الآية المباركة ، أمّا مع عدم الفحص رغم وجود وسائل العلم التي يمكن أن يصل عن طريقها إلى العلم بثبوت التكليف لا يحرز المكلّف ـ في مثل هذه الحالة ـ أنّه من مصاديق منطوق الآية وهي أنّ الله لا يعذبه لأنّه لم يبيّن له بل يحتمل أنّه ممن بيّن له التكليف ، وبذلك يكون مستحقا للعذاب عند المخالفة ، ومن هنا لا بدّ من الفحص لإحراز التأمين من العذاب.
وهكذا الكلام في قوله تعالى ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) (١) بنفس التقريب السابق وأنّ البيان الذي علّق على عدمه نفي الإضلال إنّما هو إيجاد أسباب العلم فما لم توجد فلا إضلال ولا عذاب ، ومتى ما كانت أسباب العلم موجودة فإنّ الغاية ـ وهي البيان ـ قد تحقّقت ، وبها يكون المكلّف مستحقا للإضلال والعذاب.
ولكي يحرز المكلّف التأمين من العذاب وأنّه لم يبيّن له لا بدّ من الفحص قبل إجراء البراءة ، وبهذا اتّضح عدم إمكان التمسّك بإطلاق حديث الرفع لنفي لزوم الفحص قبل إجراء البراءة الشرعيّة.
ويمكن أن يستدل على لزوم الفحص قبل إجراء البراءة بالإضافة إلى ما ذكرناه بدليلين :
الأوّل : إنّه قد ذكرنا في الاعتراض الأوّل على أدلّة البراءة أنّ المكلّف لو لاحظ الشبهات الحكميّة لحاظ مجموعيّا لوجد نفسه قاطعا بواقعيّة عدد
__________________
(١) سورة التوبة آية ١١٥.