كبير من هذه التكاليف المشكوكة ، وهذا يعني وجود علم إجمالي أطرافه هي جميع الشبهات الحكميّة ، وذكرنا أنّ المخرج من هذه المشكلة إنّما هو مراجعة الأدلّة والخروج منها بما يثبت عددا من التكاليف تكون بمقدار المعلوم بالإجمال ، وبذلك ينحلّ العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي ـ بتلك التكاليف الثابتة بواسطة الاستنباط والمراجعة للأدلّة ـ وشك بدوي في بقيّة الشبهات الحكمية.
ومن الواضح أنّ هذا الانحلال لا يتمّ إلاّ بواسطة الفحص والتنقيب في الأدلّة عمّا يرفع الشبهة ، أمّا مع عدم الفحص فيبقى العلم الإجمالي منجّزا وموجبا للاحتياط في تمام أطرافه.
الثاني : الروايات الآمرة بالتعلّم وأنّ عدم العلم وحده ليس معذّرا ما لم يسع الإنسان لتحصيل العلم.
ومن هذه الروايات ما ورد في أمالي الشيخ بإسناده عن مسعدة بن زياد قال : سمعت جعفر بن محمد عليهالسلام وقد سئل عن قوله تعالى ( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) (١) فقال عليهالسلام : « إنّ الله تعالى يقول لعبده يوم القيامة : عبدي كنت عالما؟ فإن قال : نعم. قال له : أفلا عملت بما علمت؟! وإن قال : كنت جاهلا. قال : أفلا تعلّمت حتى تعمل؟! فيخصمه ، فتلك الحجّة البالغة » (٢).
ومن هنا تكون مثل هذه الروايات الشريفة صالحة لتقييد إطلاق ما دلّ على صحّة إجراء البراءة في موارد عدم العلم ، فتكون أدلّة البراءة نافية
__________________
(١) سورة الأنعام آية ١٤٩.
(٢) أمالي الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رحمهالله ١ / ٨ ـ باب ١ ح ١٠.