ولكنّه مع ذلك لا يمكن القول بجريان البراءة في موارد التكاليف غير الإلزاميّة لأنّ إجراء البراءة عنها لا يخلو عن أحد معنيين :
إمّا أن يكون المراد من جريان البراءة عن التكاليف غير الإلزاميّة هو الترخيص في تركها وهذا أشبه شيء بتحصيل الحاصل ، إذ أنّ الترخيص في الترك هو مقوّم التكاليف غير الإلزامية.
وإمّا أن يكون المراد من جريان البراءة عنها هو أنّه في حالات الشك في التكليف غير الإلزامي يكون الاحتياط مرجوحا وغير مطلوب شرعا ، وهذا لا يمكن المصير إليه للقطع برجحان الاحتياط عقلا وشرعا بنحو مطلق.
ولكي يكون المطلب مأنوسا أكثر نذكر هذه الأمثلة :
الأوّل : لو شكّ المكلّف في استحباب صلاة الغفيلة ولم يعثر على دليل معتبر يثبت استحبابها ، فإنّه لو قلنا بجريان البراءة عن الاستحباب المشكوك فإنّ ذلك ينتج نفي استحباب الاحتياط ؛ وذلك لأنّ البراءة في التكاليف الإلزاميّة تنفي وجوب الاحتياط فهي في التكاليف غير الإلزاميّة تنفي استحباب الاحتياط.
وأما لو قلنا بعدم جريان البراءة عن الاستحباب المشكوك فإنّ ذلك يقتضي عدم وجود ما ينفي استحباب الاحتياط.
الثاني : لو شك في كراهة النوم بين الطلوعين ولم يعثر على دليل معتبر على ثبوت حكم الكراهة ، فإنّه لو قلنا بجريان البراءة عن الكراهة المشكوكة فإنّ ذلك يقتضي نفي استحباب الاحتياط ، وهو يعني أن الاحتياط بترك النوم بين الطلوعين ليس مطلوبا شرعا.