الناحية الأولى : هي أنّ الرواية عبّرت عن الشك في البقاء أنّه نقض لليقين رغم أنّه لا تنافي بين اليقين بالحدوث والشك في البقاء ؛ وذلك لعدم اتحاد المتعلّق في كل من اليقين والشك ، حيث إنّ متعلّق اليقين هو نفس الحدوث ومتعلّق الشك هو بقاء الحادث ، ومع عدم اتحاد متعلّقي اليقين والشك كيف يكون الشك نقضا لليقين؟! وقد ذكرنا في بحث التمييز بين الاستصحاب وقاعدة اليقين أن الشك في قاعدة اليقين هو الموجب لنقض اليقين ؛ وذلك لأن الشك يسري إلى نفس متعلّق اليقين ويوجب تحوّل اليقين بالحدوث إلى الشك في نفس الحدوث ، فالنقض هنا تكويني ، إذ من المستحيل أن يكون الشيء الواحد هو متيقن الحدوث وهو مشكوك الحدوث ؛ ذلك لأن اليقين يعني الاستقرار النفسي نتيجة وضوح الرؤية للمتعلّق ، وهذا بخلاف الشك فإنّه يعني تردد النفس واضطرابها نتيجة الضبابية المكتنفة بالمتعلّق.
فطبيعة هاتين الحالتين تقتضي عدم اجتماعها فلذلك حينما يأتي الشك ينعدم اليقين وحينما يأتي اليقين ينعدم معه الشك ، وهذا هو معنى ناقضية أحدهما للآخر تكوينا.
وهذا النحو من ناقضية الشك لليقين لا تحصل في موارد الاستصحاب ؛ وذلك لأنّ المرئي والمتيقن إنّما هو أصل الحدوث ، ومورد التردد إنّما هو استمرار الحدث ، ومن الواضح أنّ استمرار الحدث غير الحدث ، فالشيء قد يحدث إلاّ أنّه يرتفع وينتفي بعد ذلك.
إلاّ أنه مع ذلك قد يطلق على الشك في البقاء أنّه ناقض لليقين تجوّزا وتسامحا ومجاراة مع الاستعمالات العرفية التي تتسامح كثيرا في تحديد الموضوعات ، فنشاهدهم يعتبرون الموضوعات المتباينة دقة ذات مفهوم