وإلاّ لكان كلّ علم مطابقا للواقع ، إذ أنّه إذا كان علة العلم هو الثابت في الواقع فهذا يقتضي أن لا علم في ظرف عدم الثبوت في الواقع ؛ وذلك لأنّ انتفاء الثبوت يعني انتفاء علة العلم ، وكيف يكون هناك معلول « العلم » مع انتفاء علّته؟!
وهذا خلاف ما نجده من أن العلم قد يكون موجودا ولا يكون معلومه ثابتا في الواقع ممّا يعبّر عن أنّ العلم ليس معلولا لما هو الثابت واقعا وإلاّ لزم أن ينشأ المعلول عن غير علته أو من غير علّة وهو محال كما هو واضح.
وبهذا يثبت عدم توقف العلم بالحكم على الحكم نفسه ، وإنّما هو متوقّف على الصورة الحاضرة في الذهن وهي المعلوم بالذات ، ومنشأ كون المدرك الذهني هو المعلوم بالذات أن العلم هو الرؤية ، والمرئي للعالم حقيقة هو الصورة الذهنيّة.
والمقصود من كون المدرك الذهني هو المعلوم بالذات يتّضح من هذا البيان :
وهو أنّ العلم عبارة ثانية عن رؤية المعلوم ، فالمرئي للعالم حقيقة هو الصورة الذهنيّة الحاضرة في نفس العالم بها ، فحينما ندرك معنى النار لا يكون واقع النار هو الحاضر في الذهن وإنّما الذي يحضر في الذهن هو صورة النار فهي المعلوم أولا وبالذات لأنّها هي عين المدرك في الذهن ، فتكون النار الخارجيّة معلومة لنا بالتبع أي بواسطة الصورة الذهنيّة والتي هي عين المعلوم.
ويمكن تنظير ذلك بالمرآة ، إذ أنّ المرئي بواسطة المرآة هي الصورة