ومنها : ما رواه محمّد الحلبي قال : « نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر فدخلت على أبي عبد الله عليهالسلام فقال : أين نزلتم؟ فقلت : نزلنا في دار فلان فقال : إن بينكم وبين المسجد زقاقاً قذراً ، أو قلنا له : إن بيننا وبين المسجد زقاقاً قذراً فقال : لا بأس إن الأرض تطهر بعضها بعضاً. قلت والسرقين الرطب أطأ عليه فقال : لا يضرّك مثله » (١) وهي غير مقيدة بالقدم والبشرة ، بل مقتضى إطلاقها أن الأرض تطهر باطن القدم والخف وغيره مما يتنعل به عادة.
ومنها : ما رواه في آخر السرائر نقلاً عن نوادر أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن المفضل بن عمر ، عن محمّد الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قلت له : إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربّما مررت فيه وليس عليَّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته ، فقال : أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت : بلى ، قال : فلا بأس إن الأرض تطهر بعضها بعضاً ، قلت : فأطأ على الروث الرطب؟ قال : لا بأس أنا والله ربما وطئت عليه ثم أُصلّي ولا أغسله » (٢). وهي مقيدة بالقدم كما هو ظاهر.
وربما يورد على هاتين الروايتين بأنهما متنافيتان نقلاً ، لأن ظاهرهما الحكاية عن قضية واحدة نقلها محمّد الحلبي ، وغاية الأمر أن الراوي عن الحلبي شخصان وقد رواها أحدهما مقيدة بالرجل ورواها الآخر مطلقة فأحد النقلين يناقض الآخر.
هذا ، ولا يخفى أن الروايتين إن حملناهما على تعدد الواقعة كما هو غير بعيد بأن يقال إن الراوي سأله عليهالسلام عن مسألة واحدة مطلقة تارة ومقيدة بالرجل اخرى حتى يطمئن بحكمها ، فإن المشي حافياً لا يناسب الحلبي ولا يصدر عن مثله إلاّ نادراً فسأله عن حكمه مرة ثانية حتى يطمئن به فهما روايتان ولا مانع من كون إحداهما مطلقة والأُخرى مقيدة بالرجل ، فنأخذ معه بإطلاق المطلقة وهي تقتضي اطراد الحكم في كل ما يتعارف المشي به من أسفل القدم والخف وغيرهما.
وأما إذا قلنا بوحدة الواقعة في الروايتين لاستبعاد التعدّد في الواقعة ولا نرى أي بُعد في تعدّدها كما مرّ سقطت الروايتان عن الاعتبار للعلم بعدم صدور إحداهما
__________________
(١) ، (٢) الوسائل ٣ : ٤٥٨ / أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٤ ، ٩.