الثالثة : أن مطهريتها خاصة بالبول أو يعم جميع النجاسات والمتنجسات؟
أمّا الجهة الأُولى : وهي التي أشار إليها الماتن بقوله : الشمس وهي تطهر ... فالمشهور بين أصحابنا أن الشمس من المطهرات في الجملة. بل عن بعضهم دعوى الإجماع في المسألة ، فجواز التيمم والسجود على ما جففته الشمس من المواضع المتنجسة مستند إلى طهارتها بذلك ، لا إلى أن الشمس تؤثر في العفو عنهما مع بقاء الموضع على نجاسته. وعن المفيد (١) وجماعة من القدماء والمتأخرين القول بالعفو دون الطهارة. واستدل للمشهور بجملة من الأخبار المستفيضة :
منها : صحيحة زرارة قال : « سألت أبا جعفر عليهالسلام عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه ، فقال : إذا جففته الشمس فصلِّ عليه فهو طاهر » (٢). وهذه الصحيحة أظهر ما يمكن أن يستدل به في المقام ، وقد دلت على أن السطح والمكان المتنجسين بالبول يطهران باشراق الشمس عليهما وتجفيفهما ، ومقتضى صريحها أن جواز الصلاة على المكان المتنجِّس بعد جفافه بالشمس مستند إلى طهارته بذلك لا إلى العفو عنه مع بقاء الموضع على نجاسته. وهذا لا لأن قوله عليهالسلام « فصلِّ عليه » ظاهر في إرادة السجود على السطح أو المكان ، وجواز السجود عليهما يقتضي طهارتهما لعدم جواز السجدة على النجس ، ليمنع بعدم ظهوره في إرادة السجود ، بل لقوله عليهالسلام « فهو طاهر » فإنّه صريح في المدعى حتى بناء على حمل قوله : « فصلِّ عليه » على إرادة الصلاة فيه كما ربما يراد منه ذلك.
ودعوى أن الطاهر لم يثبت كونه بالمعنى المصطلح عليه وإنما هو بمعنى النظيف مندفعة بأن الصحيحة إنما وردت عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام وإطلاق الطاهر في ذلك العصر وإرادة معناه اللغوي بعيد غايته ، لأن الطهارة في تلك الأزمنة إنما كانت تستعمل لدى المتشرعة بالمعنى المرتكز منها في أذهانهم ، ولعمري إن الكف عن التعرض لأمثال هذه المناقشة أولى وأحسن.
__________________
(١) لاحظ المقنعة : ٧١.
(٢) الوسائل ٣ : ٤٥١ / أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ١.