المتنجِّسات لا يؤثر في طهارتها ، ولم يقم دليل على أن الخمر إذا استهلكت فيما صبّ فيها أو امتزجت معه حتى حصلت منهما طبيعة ثالثة ارتفعت نجاستها ، فإن الأخبار المتقدِّمة إنما تدل على طهارتها بالانقلاب إما بنفسها وإما بالعلاج ، والاستهلاك والامتزاج ليسا من انقلاب الخمر في نفسها ولا من الانقلاب بالعلاج.
وتوضيح ذلك : أن الانقلاب إنما لم نلتزم بكونه موجباً للطهارة في نفسه نظراً إلى أن نجاسة الإناء الناشئة من الخمر الموجودة فيه قبل الانقلاب تقتضي نجاستها بعد انقلابها خلاًّ ، ومن هنا احتجنا إلى الروايات الواردة في المسألة وببركتها قلنا بطهارة الإناء وقتئذ بالتبع ، فلو لا نجاسة الإناء لم نحتج في الحكم بمطهرية الانقلاب إلى النصوص ، ومن هنا لو اكتفينا بحرمة الخمر ولم نلتزم بنجاستها كما هو أحد القولين في المسألة ، وفرضنا أنها تحوّلت إلى شيء آخر وإن لم تنقلب خلاًّ لم نتردد في الحكم بزوال حرمتها ، وهذا بخلاف ما لو قلنا بنجاستها كما هو الصحيح حيث لا يمكننا الحكم بزوال نجاستها بالانقلاب إلاّ مع التشبث بذيل النصوص كما اتضح ، وهذه النصوص لا دلالة لها على طهارة الخمر وإنائها عند استهلاكها أو امتزاجها بما يصب فيها ، وإنما تختص بصورة الانقلاب.
وعلى الجملة : إنّ القاعدة تقتضي الحكم بعدم طهارة الخمر في مفروض الكلام ويؤكِّدها عدّة روايات :
منها : رواية عمر بن حنظلة قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره؟ فقال : لا والله ولا قطرة قطرت في حب إلاّ أهريق ذلك الحب » (١) لأن القطرة تستهلك في حب من الماء ، كما أن الماء المصبوب في قدح من المسكر يمتزج معه ، فلو كان استهلاكه أو امتزاجه بشيء آخر موجباً لطهارته لم يكن وجه للحكم بإهراق الحب والمنع عن
__________________
(١) الوسائل ٢٥ : ٣٤١ / أبواب الأشربة المحرمة ب ١٨ ح ١ ، ٣٥٩ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٢٦ ح ٢.