فيقال قلبه قلباً : حوّله عن وجهه ، ولم ترد الاستحالة في شيء من الأخبار ليتكلم في مفهومها ، وإنما حكمنا بالطهارة معها لانعدام موضوع النجاسة وارتفاع حكمه. نعم بين الاستحالة والانقلاب فرق في مصطلح الفقهاء وقد تصدى الماتن قدسسره لبيان الفارق بينهما بحسب الاصطلاح ، وتوضيح ما أفاده :
أنّ النجاسة في الأعيان كما تقدّم مترتبة على عناوينها الخاصّة من البول والخمر والدم وهكذا ، فالخمر بما هي خمر نجسة لا بما أنها جسم مثلاً وهكذا الحال في غيرها من الأعيان ، وهو معنى قولهم : الأحكام تتبع الأسماء بمعنى أنها تدور مدار العناوين المأخوذة في موضوعاتها ، فاذا زال عنها عنوانها زال حكمها لا محالة ، فيحكم بعدم نجاسة الخمر وعدم حرمتها إذا سلب عنها عنوانها واتصفت بعنوان آخر ، فلا يعتبر في زوال النجاسة أو الحرمة زوال الخمر وانعدامها بذاتها أو انعدام البول كذلك أو غيرهما.
ومن هنا يظهر أن استصحاب النجاسة عند زوال عنوان النجس بالانقلاب من الأغلاط التي لا نتمكن من تصحيحها ، فإن النجاسة كحرمة المسكر الجامد كالبنج فكما أنه إذا زال عنها إسكاره ارتفعت حرمته لكونها مترتبة على البنج المسكر ، كذلك الحال في المقام فهل يمكن استصحاب حرمته حينئذ؟ وهذا بخلاف المتنجسات لعدم ترتب النجاسة فيها على عناوينها وإنما ترتبت على ذواتها ، فهي متنجسة بما أنها جسم فلا ترتفع نجاستها بزوال عناوينها لبقاء الجسمية بمرتبتها النازلة ، بل يتوقف زوال حكمها على انعدام ذواتها وتبدل صورتها الجسمية بجسم آخر ، كما إذا تبدل النبات المتنجِّس حيواناً ، فإنّ الصورة الجسمية في أحدهما غير الصورة في الآخر وحيث إن ارتفاع النجاسة في الأعيان النجسة لا يحتاج إلى تبدل الذات بل يكفي فيه تبدل العنوان على خلاف المتنجِّسات ، فاصطلح الفقهاء ( قدس الله أسرارهم ) في زوال العنوان بالانقلاب كما اصطلحوا في زوال الذات والحقيقة بالاستحالة ، تمييزاً بينهما وبياناً للفارق بين النجاسات والمتنجسات ، لا من جهة أن الانقلاب غير الاستحالة حقيقة لما عرفت من أنهما شيء واحد.