الآثار أو عمومه ، لدلالته على أن المعصية بحدوثها وصرف وجودها كافية في بقاء آثارها إلى الأبد ، وقد لا يقوم دليل على بقاء آثار المعصية بعد ارتفاعها ، لعدم العموم والإطلاق في دليلها بحيث لا يستفاد منه سوى ترتب الأثر على المعصية ما دامت موجودة. ثم إن الآثار المترتبة على المعصية قد تكون تكوينية كاستحقاق العقاب وقد تكون شرعية كوجوب القتل وجواز تقسيم المال ونحوهما.
أمّا القسم الأوّل من المعصية ، فمقتضى إطلاق أو عموم الأدلّة الدالّة على آثارها وإن كان بقاء تلك الآثار وإن ارتفعت المعصية ، إلاّ أنه قد يقوم الدليل على أن المعصية المتحققة كلا معصية وكأنها لم توجد من الابتداء ، ومعه ترتفع الآثار المترتبة على صرف وجودها لا محالة ، وهذا كما في دليل التوبة لدلالته على أن التوبة تمحي السيئة والعصيان وأن التائب من ذنب كمن لا ذنب له ، ومعناه أن المعصية الصادرة كغير الصادرة فلا يبقى مع التوبة شيء من آثار المعصية بوجه.
نعم ، قد يرد مخصص على هذا الدليل ويدلُّ على أن التوبة مثلاً لا توجب ارتفاع المعصية المعينة ، كما ورد في المرتد عن فطرة ودل على أنه لا توبة له وأنها لا تقبل منه فتوبته كعدمها ، ومعه إذا كان لدليل آثارها إطلاق أو عموم فلا مناص من الالتزام ببقائها ، فلا بدّ من النظر إلى الآثار المترتبة على الارتداد لنرى أيها يثبت على المعصية الارتدادية مطلقاً وأيها يثبت عليها ما دامت باقية ، فنقول :
أما استحقاق العقاب والخلود في النار فمقتضى قوله عزّ من قائل ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً ) (١) أن الخلود في النار إنما هو من الآثار المترتبة على الكفر حال الموت دون من لم يتصف به حينه ، فارتفاع المعصية الكفرية يقتضي الحكم بعدم الخلود في النار ، فإذا أسلم المرتد وتاب ولم يبق على كفره إلى حين موته ارتفع عنه العقاب والخلود. وهذا لا من جهة دليل التوبة حتى يدعى أن توبة المرتد كعدمها لأنه لا تقبل توبته ، بل من جهة القصور في دليل الأثر المترتب
__________________
(١) النساء ٤ : ١٨.