ويندفع بأن الحديث لم يثبت إطلاق له ليدل على أن كل ما يصدر عن الصبي من الأفعال الاختيارية فهو بحكم الفعل الصادر خطأ ، بحيث لو قلنا بصحّة عبادات الصبي وتكلم في أثناء الصلاة أو أكل في صيامه متعمداً لم تبطل صلاته وصومه ، لأن التكلّم أو الأكل خطأ غير موجب لبطلانهما ، وهذا للقطع ببطلان الصلاة والصوم في مفروض المثال ، وعليه فالحديث مجمل للقطع بعدم إرادة الإطلاق منه. فلا مناص من حمله على ما ورد في رواية أُخرى من أن عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة (١) وهذا لا لقانون الإطلاق والتقييد لعدم التنافي بينهما ، بل للقطع بعدم إرادة الإطلاق منه ومقتضى الجمع العرفي حينئذ ما ذكرناه ، ومعه يختص الحديث بالديات ومدلوله أن القتل الصادر عن الصبي عمداً كالقتل خطأ تثبت فيه الدية على عاقلته ولا يقتص منه.
بل إن الحديث في نفسه ظاهر في الاختصاص بموارد الدية مع قطع النظر عن القرينة الخارجية ، وذلك لأن المفروض في الرواية ثبوت حكم للخطإ غير ما هو ثابت للعمد وأنه يترتب على عمد الصبي أيضاً ، وهذا إنما يكون في موارد الدية فلا حاجة إلى إقامة قرينة خارجية عليه. نعم إذا كان الوارد في الحديث : عمد الصبي كلا عمد احتجنا إلى قيام القرينة على ما ذكرناه من الخارج ، وعلى ذلك فلا مجال لما عن بعضهم من الحكم ببطلان عقد الصبي ومعاملاته ولو بإذن من الولي ، نظراً إلى أن العقد الصادر منه خطأ لا يترتب أثر عليه ، وذلك لما ذكرناه من أن الحديث لم يثبت إطلاقه ليدل على أن كل عمل اختياري يصدر عن الصبي فهو بحكم الخطأ وإنما هو ناظر إلى الدية كما عرفت. وعلى الجملة لا دلالة للحديث على أن الإسلام الصادر عن الصبي بالاختيار خطأ ، فهو مسلم حقيقة لاعترافه بكل ما يعتبر في الإسلام ويترتّب عليه ما كان يترتب على سائر المسلمين من الأحكام وأظهرها الطهارة.
__________________
(١) رواها إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهالسلام أن عليّاً عليهالسلام كان يقول عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة. الوسائل ٢٩ : ٤٠٠ / أبواب العاقلة ب ١١ ح ٣ ، وفي رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهالسلام إنه كان يقول في المجنون والمعتوه الذي لا يفيق والصبي الذي لم يبلغ ، عمدهما خطأ تحمله العاقلة وقد رفع عنهما القلم. الوسائل ٢٩ : ٩٠ / أبواب القصاص في النفس ب ٣٦ ح ٢.