ويرد عليه ما قدّمناه في بحث الترتب من أن الطريق لاستكشاف الملاك منحصر بالأمر والتكليف ، ومع ارتفاعهما لعدم التمكن من الامتثال يحتاج دعوى الاستكشاف إلى علم الغيب (١).
ودعوى : أن الأمر بهما ظاهره وجود الملاك ، مدفوعة بأن سعة المنكشف تتبع سعة الكاشف وهو الأمر وهو إنما يكشف عن الملاك ما دام موجوداً ولم يرتفع ، وأما بعد ارتفاعه فلا كاشف ولا منكشف. هذا ما قدمناه هناك.
ونزيده في المقام أن المكلف مع العجز عن الماء مأمور بالتيمم كما عرفت وظاهر الأمر وإطلاقه التعيين ، وتعيّن التيمم حينئذ يدل على عدم الملاك في الوضوء أو الغسل. وهذا هو الذي ذكره شيخنا الأُستاذ قدسسره وإن قرره بتقريب آخر وحاصله : أن الأمر بالوضوء مقيد في الآية المباركة بالتمكن من استعمال الماء فاذا ارتفع التمكن ارتفع الأمر والملاك (٢). وبعبارة اخرى : إن الآية قسّمت المكلفين إلى واجد الماء وفاقده لأن التفصيل قاطع للشركة ، وقيد الأمر بالوضوء بالوجدان كما قيد الأمر بالتيمم بالفقدان فاذا انتفى القيد وهو وجدان الماء انتفى المقيد والمشروط ومع ارتفاع الأمر يرتفع الملاك لا محالة. هذا على أن مجرد الشك في الملاك يكفينا في الحكم بعدم جواز الاكتفاء بالوضوء لاستلزامه الشك في تحقق الامتثال بإتيان غير المأمور به بدلاً عن المأمور به ، ومع الشك في السقوط لا بدّ من إتيان التيمم لأنه مقتضى القاعدة تحصيلاً للقطع بالفراغ.
وهذه المسألة لا تُقاس بما إذا أمر المولى بشيء على تقدير التمكن منه وبشيء آخر على تقدير العجز عنه ، كما إذا أمر عبده بشراء التفاح مثلاً إن تمكن وإلاّ فبشراء شيء آخر ، أو قال إذا جاءك زيد فقدّم له تمراً فان لم تجد فماء بارداً ونحو ذلك من الأمثلة فإن مقتضى الفهم العرفي في أمثال ذلك أن الملاك في شراء التفاح أو تقديم التمر مطلق ولا يرتفع بالعجز عنه. والوجه في منع القياس أن إحراز بقاء الملاك في تلك الأمثلة
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٧٠.
(٢) أجود التقريرات ١ : ٣١٦ ٣١٧.