لأن معنى تلك الجملة حسبما يقتضيه الفهم العرفي أنه لا يصلح استعمال أواني الفضة لأن مقابل يصلح هو لا يصلح ، فكأنه عليهالسلام قال : لا بأس بالتصرف في المرآة التي فيها حلقة من فضة وإنما المحرم ما إذا كانت الآنية فضة ، هذا على أن الكراهة في الإناء لو كانت بمعنى الكراهة المصطلح عليها كما في المشطة والمدهن ونحوهما لم يتم الحصر في قوله : « إنما يكره » لثبوت الكراهة في غير الآنية أيضاً. وعليه فالصحيحة تدلنا على أن المراد بالكراهة المنحصرة في الإناء هو الحرمة.
والطائفة الثالثة : ما اشتمل على كلمة « لا ينبغي » كموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « لا ينبغي الشرب في آنية الذهب والفضة » (١).
قالوا إن لفظة لا ينبغي غير مستعملة في الأُمور المحرمة على ما هو الشائع المتعارف من استعمالاتها ، وإنما يستعمل في الأُمور غير المناسبة فهي على هذا تؤول إلى الكراهة ، بل ربما تؤخذ هذه الموثقة قرينة على التصرف في الأخبار الناهية المتقدِّمة وحملها على الكراهة لولا الإجماع.
ولا يمكن المساعدة على شيء من ذلك لأن « الانبغاء » في اللغة بمعنى التيسّر والتسهّل ، فمعنى لا ينبغي الشرب : أنه لا يتيسّر ولا يتسهّل ولا يمكن للمكلّفين وحيث إن الأكل والشرب من أواني الذهب والفضة أمر ميسور لهم فلا يكاد يحتمل أن يراد منها في الرواية معناها الحقيقي الخارجي ، فلا مناص من أن يراد بها في المقام عدم كون الأكل والشرب منهما ميسراً لهم في حكم الشارع ، وهذا لا يتحقق إلاّ في المحرّمات.
ويؤيِّد ذلك أن كلمة « لا ينبغي » قد استعملت في غير موضع من الكتاب العزيز بمعناها اللغوي كما في قوله عزّ من قائل ( قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ ) (٢) وقوله ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ) (٣) وقوله :
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٥٠٧ / أبواب النجاسات ب ٦٥ ح ٥.
(٢) الفرقان ٢٥ : ١٨.
(٣) يس ٣٦ : ٤٠.