نعم لو لم يقصد جعلهما مصباً للغسالة ، لكن استلزم توضؤه ذلك أمكن أن يقال : إنّه لا يعد الوضوء استعمالاً لهما (١) بل لا يبعد أن يقال : إن هذا الصب أيضاً لا يعد استعمالاً فضلاً عن كون الوضوء كذلك.
______________________________________________________
وفيه : أن دعوى ذلك كدعوى أن الوضوء استعمال للآنيتين أمر لا يمكن المساعدة عليه وذلك لعدم تماميتها صغرى وكبرى.
أما بحسب الصغرى فلأمرين : أحدهما : أن الوضوء هو إيصال الماء إلى البشرة على وجه يجري من محل إلى محل ، ومن الظاهر أنه غير مستلزم لصبّ الماء على الإناء ولا لجمعه فيه ، فان إجراء الماء على أعضاء الوضوء إذا كان على وجه التدهين باليد لم يستلزم صبّ الماء على الإناء. وأما وقوع بعض القطرات فيه أثناء الوضوء فهو وإن كان كذلك إلاّ أنه لا يعد استعمالاً للإناء. مضافاً إلى إمكان المنع عن انفصال القطرات عن المحال ، فبذلك يظهر أن انصباب الماء على الإناء واجتماعه فيه عند الوضوء أمر قد يتحقق وقد لا يتحقّق وليس هذا معلولاً للوضوء حتى لا ينفك عنه.
وثانيهما : هب أن الوضوء يستلزم الصب وأنه علة لاجتماع الماء في الإناء ، إلاّ أنه لا شك في أن اجتماع الماء في الإناء غير مستند إلى التوضؤ بوحدته وإنما هو معلول لأمرين : أحدهما الوضوء وثانيهما إبقاء الإناء في موضعه ، إذ لو نقل منه إلى محل آخر لم يقع عليه ماء الوضوء والإبقاء أمر اختياري للمتوضئ ، ومعه فالوضوء مقدّمة من مقدّمتي الحرام وليس علة تامة للمعصية وقد بيّنا في محلِّه أن مقدّمة الحرام ليست بحرام.
وأما بحسب الكبرى فلأن العلة ومعلولها موجودان متغايران ولا يكون البغض في أحد المتغايرين سارياً إلى الآخر بوجه حيث لا تلازم بينهما ، فلا أساس لما هو المشتهر من أن علة الحرام حرام. والمتلخص أن الوضوء والغسل صحيحان في محل الكلام ولا يعدّان استعمالاً للإناء ، هذا كلّه في الصورة الأُولى.
أمّا الصورة الثانية : فهي التي أشار إليها الماتن بقوله : نعم لو لم يقصد ....
(١) بل هذا هو الصحيح ، لما مر من أن استعمال أي شيء إنما هو إعماله فيما أُعد له