وما ذهبوا إليه لا يخلو عن قوة ، لصراحة الحسنة في الجواز واعتبارها بحسب السند هذا ، وقد يناقش في الاستدلال بها من جهتين :
إحداهما : أنها ضعيفة السند بالإرسال ، لأن ابن أبي عمير قد نقلها عن غير واحد عن أبي عبد الله عليهالسلام وفي الحدائق وصفها بالإرسال وإن كان قد عمل على طبقها.
وهذه المناقشة ساقطة ، وذلك لا لأن مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده ، لما مر غير مرة من أن المراسيل ساقطة عن الحجية مطلقاً ، كان مرسلها ابن أبي عمير ونظراءه أم غيرهم ، بل لأن قوله : عن غير واحد ، معناه أن الرواية وصلت إليه عن جماعة من الرواة ، لعدم صحة هذا التعبير فيما إذا رواها واحد أو اثنان ، وتلك الجماعة نطمئن بوثاقة بعضهم على الأقل ، لأنه من البعيد أن يكون كلهم غير موثقين.
وثانيتهما : أن الرواية مهجورة لإعراض الأصحاب عن العمل على طبقها ، كما يستكشف من إطلاق كلماتهم في حرمة النظر إلى عورة الغير.
ويرد على هذه المناقشة :
أوّلاً : أن إعراضهم عن الرواية لم يثبت بوجه ، لأنه من المحتمل أن يستندوا في الحكم بحرمة النظر مطلقاً إلى ترجيح الأدلّة المعارضة وتقديمها على رواية الجواز كما ربّما يظهر من كلام شيخنا الأنصاري قدسسره (١) فتركهم العمل على طبقها من جهة مخالفة الرواية لإطلاق الآية والروايات ، والاعراض عن الرواية إنما يسقطها عن الحجية فيما إذا كشف عن ضعفها ، دون ما إذا كان مستنداً إلى علة أُخرى كما في المقام. على أن مثل الصدوق وغيره ممن ذهبوا إلى الجواز قد عملوا على طبقها فصغرى الاعراض غير ثابتة.
وثانياً : أن كبرى سقوط الرواية عن الحجية باعراضهم لا يمكن الالتزام بها بوجه كما قدّمناه في محلِّه (٢) وعلى ذلك لا إشكال في الرواية سنداً كما لا كلام في دلالتها على
__________________
(١) كتاب الطهارة ١ : ٤٢٢.
(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٢٠٣.