الأصحاب ، حيث لم ينقل فيها الخلاف إلاّ عن جماعة من متأخري المتأخرين منهم صاحب المدارك قدسسره حيث ذهب إلى كراهتهما (١) فان اعتمدنا على التسالم القطعي وإجماعهم بأن كان اتفاق المتقدمين والمتأخرين مدركاً لإثبات حكم شرعي كما هو غير بعيد فلا كلام ، وإلاّ فما قواه في المدارك من القول بالكراهة وفاقاً لجملة من متأخري المتأخرين هو الصحيح. وذلك لأن الأخبار المستدل بها على حرمة استقبال القبلة واستدبارها في المقام ساقطة عن الاعتبار ، وهي بين ضعيفة ومرفوعة ومرسلة (٢) ولا يمكننا الاعتماد على شيء منها في الاستدلال.
نعم لا وجه للمناقشة في دلالتها على الحرمة ، لأن اشتمال بعضها على بعض المكروهات كاستقبال الريح واستدبارها غير صالح للقرينية على التصرف في ظهور النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في الحرمة ، واقتران حكم غير إلزامي بحكم إلزامي لا يكون قرينة على إرادة غير الإلزام منه بدعوى وحدة السياق ، وذلك لأن الظهور حجّة ولا يمكن أن يرفع اليد عنه إلاّ بقرينة أقوى على خلافه وهي غير موجودة في المقام ، فما عن بعضهم من المناقشة في دلالة الأخبار من جهة اشتمالها على ما هو مسلّم الكراهة مما لا يمكن المساعدة عليه. نعم للمناقشة في إسنادها مجال واسع كما مر ، فلو كنّا نحن وهذه الروايات لم يمكننا الحكم بحرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلِّي.
بل يمكن الاستدلال على كراهتهما أو استحباب تركهما برواية محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : « دخلت على أبي الحسن الرضا عليهالسلام وفي منزله كنيف مستقبل القبلة وسمعته يقول : من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها إجلالاً للقبلة وتعظيماً لها لم يقم من مقعده ذلك حتى يغفر له » (٣) وذلك لأن لسانها لسان الاستحباب أو كراهة الفعل ، فان ترك الاستقبال لو كان واجباً لأمره بالانحراف أو نهاه عن
__________________
(١) المدارك ١ : ١٥٨.
(٢) الوسائل ١ : ٣٠١ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢.
(٣) الوسائل ١ : ٣٠٣ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢ ح ٧.