الثالث : أصالة الطهارة ، بتقريب أن المتيقن من نجاسة الملاقي لشيء من النجاسات إنما هو نجاسته قبل غسله ، فاذا غسلناه مرّة واحدة لم ندر أنه طاهر أو نجس ومقتضى أصالة الطهارة طهارته. وهذا الوجه وإن كان وجيهاً في نفسه بناء على ما سلكناه من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهيّة ، لأنّ استصحاب نجاسة المتنجِّس فيما نحن فيه بعد الغسلة الواحدة معارض باستصحاب عدم جعل النجاسة عليه زائداً على المقدار المتيقن وهو نجاسته قبل غسله ، إلاّ أنه لا مجال للرجوع إليها في المسألة لإطلاق ما دلّ على نجاسة المتنجسات ، فإن إطلاق ما دلّ على أن الصلاة الواقعة في ملاقي النجس باطلة أو تجب إعادتها أو ما دلّ على نجاسته بغير ذلك من أنحاء البيان يقتضي بقاءها على نجاستها إلى الأبد إلاّ أن يطرأ عليها مطهّر شرعي وهو غير محرز في المقام.
الرابع : إطلاقات الأخبار وقد عثرنا على ذلك في جملة من الروايات :
الأُولى : صحيحة زرارة التي هي من أدلة الاستصحاب قال : « قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني ... إلى
أن قال : تعيد الصلاة وتغسله ... » الحديث (١) فان الظاهر أن السؤال فيها إنما هو عن مطلق النجاسة لا عن الدم فحسب ، فان قوله : « أو غيره » وإن كان يحتمل في نفسه أن يراد به غير الدم من النجاسات ليكون ذكر المني بعد ذلك من قبيل ذكر الخاص بعد العام ، كما يحتمل أن يراد به دم غير الرعاف إلاّ أن المستفاد من جملات السؤال والجواب الواردة في الصحيحة أن السؤال إنما هو عن طبيعي النجاسة ولا سيما قوله : « ولا تعيد الصلاة قلت لِمَ ذلك؟ قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك ... ».
الثانية : موثقة عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام « أنه سئل عن رجل ليس عليه إلاّ ثوب ولا تحل الصلاة فيه وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال : يتيمّم ويصلِّي فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة » (٢) فان قوله « ولا تحل الصلاة فيه » وإن كان
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٧٧ / أبواب النجاسات ب ٤١ ح ١ ، ٤٧٩ / ب ٤٢ ح ٢.
(٢) الوسائل ٣ : ٤٨٥ / أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٨ ، الوسائل ٣ : ٣٩٢ / أبواب التيمم ب ٣٠ ح ١.