الأخبار ، فلا دلالة له على كراهة الأكل قبل الوضوء ، لأنها لو دلت فإنما تدل على استحباب الوضوء قبل الطعام وبعده. على أن المراد بالوضوء في تلك الروايات ليس هو الوضوء بالمعنى المصطلح عليه وإنما المراد به هو المعنى اللغوي أعني التنظيف والاغتسال والقرينة على ذلك أُمور :
منها : ما دلّ على أن التوضّؤ جميعاً بعد الطعام أمر فارق بين المشركين والمسلمين كصحيحة الوليد قال : « تعشينا عند أبي عبد الله عليهالسلام ليلة جماعة فدعى بوضوء فقال : تعال حتى نخالف المشركين نتوضأ جميعاً » (١) وذلك لبداهة أن المشركين لا يتوضّؤون بالمعنى المصطلح عليه فرادى بعد الطعام ، ليكون التوضّؤ جميعاً بعد العشاء خلافاً للمشركين.
ومنها : الترغيب والحث على التوضؤ بعد الطعام جميعاً في طشت واحد كما في جملة من الروايات منها : الرواية المتقدِّمة ، ومنها : رواية الفضل بن يونس قال : « لما تغدى عندي أبو الحسن عليهالسلام وجيء بالطشت بدأ به وكان في صدر المجلس فقال : ابدأ بمن على يمينك فلما توضأ واحد أراد الغلام أن يرفع الطشت ، فقال له أبو الحسن عليهالسلام : دعها واغسلوا أيديكم فيها » (٢) وما رواه البرقي في المحاسن عن عبد الرحمن بن أبي داود قال : « تغدينا عند أبي عبد الله عليهالسلام فأتى بالطشت فقال : أما أنتم يا أهل الكوفة فلا تتوضؤون إلاّ واحداً واحداً ، وأما نحن فلا نرى بأساً أن نتوضّأ جماعة قال : فتوضأنا جميعاً في طشت واحد » (٣). والوجه في الاستشهاد بها أن التوضّؤ بالمعنى المصطلح عليه لم يثبت وجوبه ولا رجحانه قبل الطعام أو بعده لعدم دلالة دليل عليه فلا معنى للحث عليه جماعة في طشت واحد والترغيب إلى تركه منفرداً ، اللهمّ إلاّ أن يراد به معناه اللغوي وهو المدعى.
ومنها : الأخبار الدالّة على أن صاحب المنزل أول من يتوضأ قبل الطعام وآخر من يتوضّأ بعده ، كرواية محمّد بن عجلان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « الوضوء
__________________
(١) ، (٢) ، (٣) الوسائل ٢٤ : ٣٤٢ / أبواب آداب المائدة ب ٥١ ح ٤ ، ٢ ، ٣.