دلالة دليل وهو مفقود. وأما ثانياً : فلأن النجاسات بأكثرها تشتمل على رائحة أو لون لا تزولان بزوال عينها كما في دم الحيض والميتة وبعض أقسام المني ، فترى أنها بعد ما غسلت وأزيلت عينها تبقى رائحتها أو لونها ، ولم ترد مع ذلك إشارة في شيء من الأخبار الواردة في التطهير عن الأعيان المذكورة وغيرها إلى اعتبار زوال الرائحة أو اللّون وإنما دلت على لزوم غسلها فحسب. ويؤيده ما في جملة من الروايات (١) من الأمر بصبغ الثوب الذي أصابه الحيض بالمشق حتى يختلط فيما إذا غسل ولم يذهب أثره.
نعم ، لا يمكن الاستدلال على المدعى بما ورد في الاستنجاء من أن الريح لا ينظر إليها (٢) وذلك لأنّ الموضع المخصوص له خصوصية من بين سائر المتنجسات بحيث لا يمكن قياس غيره به ، ومن هنا يكفي في تطهيره التمسح بالأحجار ، مع أن الأجزاء المتخلِّفة من النجس في المحل قد لا يقلعها التمسح بالأحجار ، لوضوح أنه ليس من الأجسام الصقيلة حتى تزول عنه العين بالتمسح بها ، فمقايسة غيره من المتنجِّسات به في غير محلِّه.
وأمّا ما يقال من أن بقاء الأثر كاللون والريح وغيرهما يكشف عن بقاء العين لا محالة ، لأن انتقال العرض من معروضه أمر غير معقول ، فيندفع أوّلاً : بأن الأحكام الشرعية لا تبتني على التدقيقات الفلسفية وإنما تدور مدار صدق العناوين المأخوذة في موضوعاتها عرفاً ، وبما أن الأثر المتخلف من العين من قبيل الأعراض لدى العرف والنجاسة مترتبة على عنوان الدم والعذرة ونحوهما ولا يصدق شيء من هذه العناوين على الأوصاف والأعراض فلا يمكن الحكم بنجاسة الآثار المتخلفة في المحل.
وثانياً : بأن كبرى استحالة انتقال العرض وإن كانت مسلمة ، إلاّ أنها غير منطبقة على المقام ، لأن عروض الرائحة أو اللون أو غيرهما من آثار النجس على الثوب مثلاً كما يحتمل أن يكون مستنداً إلى انتقال أجزاء ذلك النجس إلى الثوب لاستحالة انتقال
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٣٩ / أبواب النجاسات ب ٢٥ ، ٢ : ٣٦٩ / أبواب الحيض ب ٥٢.
(٢) كما في حسنة ابن المغيرة المرويّة في الوسائل ٣ : ٤٣٩ / أبواب النجاسات ب ٢٥ ح ٢ ، ١ : ٣٢٢ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٣ ح ١.