الأوّل : دعوى انصراف ما دلّ على اعتبار التعدّد إلى الغسل بالقليل ، ومع عدم شموله الغسل بالماء الكثير ونحوه لا مناص من الرجوع فيه إلى المطلقات وهي تقتضي كفاية الغسل مرّة واحدة.
وفيه : أن دعوى الانصراف لا منشأ لها غير غلبة الوجود لغلبة الغسل بالماء القليل ، فان الأحواض المعمولة في زماننا لم تكن متداولة في تلك العصور وإنما كان تطهيرهم منحصراً بالمياه القليلة إلاّ بالإضافة إلى سكنة السواحل وأطراف الشطوط وقد ذكرنا في محله أن غلبة الوجود غير مسببة للانصراف ولا سيما إذا كان المقابل أيضاً كثير التحقّق في نفسه كما هو الحال في المقام ، لأن الغسل بالماء الكثير أيضاً كثير كما في البراري والصحار ولا سيما في أيام الشتاء ، لكثرة اجتماع المياه الناشئة من المطر وغيره في الغدران حينئذ ، فدعوى الانصراف ساقطة.
الثاني : ما أرسله العلاّمة في المختلف (١) عن أبي جعفر عليهالسلام مشيراً إلى ماء في طريقه : « إن هذا لا يصيب شيئاً إلاّ طهره ... » (٢) فإنّه يدل على أن مجرد الإصابة كاف في التطهير بالماء الكثير من غير توقفه على الغسل فضلاً عن تعدده ، فان للحديث نوع حكومة ونظر على الأدلّة القائمة على لزوم الغسل في المتنجسات.
ويدفعه : أن الرواية ضعيفة بإرسالها ، ودعوى أنها منجبرة بعمل الأصحاب غير قابلة للإصغاء إليها ، لأنّا لو قلنا بانجبار الرواية الضعيفة بعمل الأصحاب على طبقها فإنّما هو في غير المقام ، لأن هذه الرواية ليس لها عين ولا أثر في جوامع الأخبار ولا في كتب الاستدلال قبل العلاّمة قدسسره فأين كانت الرواية قبله؟ وهو إنما ينقلها عن بعض علماء الشيعة ولا ندري أنه من هو؟ نعم قيل إن مراده ابن أبي عقيل إلاّ أنه مجرّد حكاية لم تثبت مطابقتها للواقع ، لاحتمال إرادة غيره فالرواية مرسلة وغير قابلة للانجبار بعملهم.
__________________
(١) هذا وبمراجعة المختلف [ ١ : ١٥ ] ظهر أن مرسلها هو ابن أبي عقيل ، ومن ثمة نسبها إليه النوري في مستدركة حيث قال : العلاّمة في المختلف عن ابن أبي عقيل قال : ذكر بعض علماء الشيعة ... ، وإن كانت الرواية معروفة بمرسلة العلاّمة قدسسره وعليه فلا وقع لما قيل من أن مراده ببعض علماء الشيعة هو ابن أبي عقيل فلاحظ.
(٢) تقدّم نقله عن المستدرك في ص ١٤.