كان هذا طريق الإزالة لدى العرف فلا مناص من الحكم بكفايته في حصول الطهارة لدى الشرع ، لأن ما أمر به في الروايات من الغسل إنما هو الغسل الذي يكون غسلاً لدى العرف ، وعليه فمقتضى عموم أو إطلاق ما دلّ على طهارة المتنجِّس بغسله ، طهارة البواطن أيضاً بما ذكرناه ، هذا.
وقد يستدل على طهارة البواطن بصبّ الماء على ظواهرها بحديث نفى الضرر ، لأن بقاءها على نجاستها ضرر على مالكها ، إذ النجاسة مانعة عن أكلها أو استعمالها فيما يشترط فيه الطهارة. ويجاب عنه بأن الحديث إنما ينفي الأحكام الضررية التكليفية ولا يعم الأحكام الوضعية التي منها الطهارة والنجاسة.
وهذا الاستدلال والجواب لا يرجعان إلى محصل :
أمّا الجواب فلما قدمناه في محله من أن حديثي الرفع ونفي الضرر وكذلك ما دلّ على نفي العسر والحرج غير مختصة بالأحكام التكليفية ، ومن هنا استدلوا على عدم لزوم المعاملة الغبنية بحديث نفي الضرر ولم يستشكل عليهم بعدم جريان الحديث في الأحكام الوضعية.
وأمّا الاستدلال فلما بيّناه في حديث نفي الضرر من أنه إنما ينظر إلى الأحكام المجعولة في الشريعة المقدسة ، ويدلُّ على أن ما يلزم منه الضرر في مورد فهو مرفوع لا محالة ، ولا نظر لها إلى الأحكام المعدومة بوجه ، فلو لزم من عدم جعل حكم في مورد ضرر على أحد المكلفين لم يقتض الحديث جعل ذلك الحكم في الشريعة المقدّسة ، فإن عدم جعل الحكم ليس من الأحكام الضررية ، والأمر في المقام كذلك لأنّ الضرر إنما ينشأ عن عدم جعل مطهّر لتلك الأجسام ، فالحديث لا يقتضي جعل مطهّر لها في الشرع. نعم ، لو أرجعنا الحديث إلى منشأ عدم جعل الطهارة للبواطن وهو نجاسة تلك الأجسام ، صح أن يقال إنها حكم ضرري فيرتفع بالحديث ، إلاّ أن ارتفاع النجاسة عن الأجسام المذكورة خلاف المقطوع به لليقين بنجاستها على الفرض.
على أن ذلك خلاف ما نطقت به الأخبار حيث إنها تدل على نجاسة جملة من الأُمور الموجبة للضرر ، كما دلّ على لزوم إهراق الإناءين اللذين وقع في أحدهما غير